في المعاناة اللاّمرئية للنّساء زمن الكورونا

ماهر حنين

لا شيء يشغل الناس منذ أسابيع في تونس والعالم غير وباء كورونا وما ترتّب عنه من انقلاب كامل في طرق العيش والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد والجماعات، والدوّر الجديد للدّولة في علاقتها بالجسم الاجتماعي، سواء من حيث الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة للتّحكم في حركة انتشار الوباء عبر منع حركة البشر قدر الإمكان، شأنها في ذلك شأن جلّ حكومات، أو بالنسبة لتدخّلها في الحقل الاجتماعي التضامني لفائدة الفئات الهشة والفقيرة والمحدودة الدّخل.

في دراسة كنت نشرتها مؤخرا حول سوسيولوجيا الهامش في زمن الكورونا ضمن الأعمال البحثية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية برزت بوضوح حدّة الانكسار القائم بين تونس الأعماق المقصيّة والمبعدة وتونس المدمجة والمرئية.

ما رشَح بشكل أفقي من هذه الدّراسة هو وضع الهشاشة المخصوص للنساء كفئة مهمّشة بشكل مضاعف تحت ضغط الحاجة الاقتصادية والاجتماعية، وبحكم الهيمنة الذكورية وسلطة التقاليد القاسية. إنّ ما نحاول إبرازه هنا، وهو مقتطع، في جزء كبير منه، من الدراسة المذكورة، هي تلك المعاناة النسويّة بشكل مخصوص، ومقاسمة النساء أوجاعهنّ وصمودهن.

فلن يتحرر مجتمع يكمّم أفواه نسائه ويحوّلهن إلى يد عاملة رخيصة يريدها المهيمنون طيّعة. وهي أيضا محاولة لربط اللّامرئية النسوية باللاّمرئية الاجتماعية الأشمل لسوسيولوجيا الهامش بما يعني ربط النضال النسوي ضدّ التهميش بالنضال الاجتماعي عموما ضد الحيف والفقر والاستغلال الطبقي.

العنف المسلّط على النّساء

كشف هذا العنف المسلط ضدّ النساء في تونس، كما في بلدان أخرى، حدود كلّ تطور تشريعي يكفل حقوق النساء دون تطوّر الذهنيات والتغيّر العميق في طبيعة الرّوابط والعلاقات الاجتماعية بين الجنسين وداخل المجتمع عامة. عودة المكبوت التّسلطي بالمعنى النّفسي تسرّعها حدّة الأزمات والوضعيات الاستثنائية، إذ أنّ زمن الكورونا يجرّد، في نظر آمال قرامي، فئة من الرجال من امتيازاتهم « الطبيعية ». فلا خروج، ولا عمل، ولا ترفيه، ولا صحبة مع الخلاّن… وتبعا لذلك تُهمّش بعض الأدوار التي تشعرهم بقيمتهم في الحياة وتمنحهم الإحساس بأنّهم فاعلون ومنفقون وأصحاب قرار فيكون ردّ الفعل على مصادرة حريتهم وحركتهم وإرباك تصورهم لذواتهم ممارسة العنف على من يُعتبرن ضعيفات «بالفطرة». وليس العنف في مثل هذه الحالة، سوى تذكير « لربات الخدور » بأنّ الرجل وإن لازم البيت مكرها، فإنّه قادر على الفعل وفرض سلطته[1]. هكذا تتجلّى علاقات الهيمنة الذكورية، هذه الأيام، في ارتفاع حالات العنف الجسدي والجنسي والمعنوي ضدّ النساء وهو ما يعني أنّ المعركة القانونية على أهميتها في حماية النساء ليست كافية لقلب تراتبية العلاقات الاجتماعية. ولعلّ ما تستطيع السوسيولوجيا النقدية المساهمة فيه هو كشف آليات الهيمنة وآليات إعادة إنتاجها بالطريقة التي وضع أسسها بيار بورديو في مؤلفه المرجعي الهيمنة الذكورية[2]. ففي طرحه لإشكاليّة الجنس والنّوع لا يعتبر بورديو أن الهيمنة الذكورية معطى بيولوجيا بل معطى سوسيولوجيا أي أن النوع هو الذي يساهم في استمرار هذه الهيمنة وذلك من خلال التبرير الجنسي لها وهو، بالنتيجة، العامل الذي يضمن استمرار هذه الهيمنة بالنظر الي أن المحدّد الجنسي لا يتغير عبر الزمان والمكان، وهو عامل محدّد تاريخيا في انتاج تقسيما للعمل على أساس الجنس باعتباره فارقا طبيعيا قائما وغير قابل للتغيير. لتصبح الفوارق الطبيعية قاعدة أبدية لتشريع الهيمنة. وقد راكمت هذه العلاقات الاجتماعية التّراتبية جملة من التّصورات والتّمثّلات شكّلت ما يسميه بروديو « متخيَّل الفحولة »، وهو متخيّل يغذّي في نفس الوقت قوة جنسيّة واجتماعية مستبطنة عند الرّجال وأسبقية في ممارسة العنف. هذا المتخيّل الذي هو شرط الإبقاء على الهيمنة الذكورية، في نظر التّحليل السوسيو-بسيكولوجي، لا يفعل فعله لدى الرّجال فحسب بل يترسخ، أيضا، في ذهنية المرأة ومتخيلها فيجعلها تستبطن، من جهتها، الدّونية تحت سلطة زوج/رجل، فحل جنسيا أو اجتماعيا مقابل كونها كائن ضعيف جنسيا واجتماعيا.

صعود النزعة الذكورية وبروزها ينتقل من الخصائص الجنسية إلى الخصائص الذهنية والاجتماعية ليكون الرجل في هذا المستوى مصدر الحقيقة، وأن رأيه قائم على العقل في كل شؤون الحياة حيث يعتبر بورديو أن ما يميّز المهيمنون هي قدراتهم الخارقة على فرض الاعتراف بأن نمط وجودهم الخاص هو نموذج كوني. وعلى هذا الأساس، فإن النّزعة الذكورية ليست سوى إنتاج لممارسات قمعية تجاه النساء وإعادة انتاج لها.

وكلّما توفرت سياقات تمثل هذه الهيمنة وممارستها لدى المهيمن وتقبلها من طرف المهيمن عليه تظلّ العلاقات السلطوية قائمة وتتعطلّ ممكنات التّحرر الاجتماعي وهي هنا التحرر النسوي. إنّ ما تكشف عنه أزمة كورونا اليوم في تونس هو الاختراق الهام للقضية النسوية عبر الجمعيات والمبادرات الفردية والمنظمات الوطنية والجهات الرسمية ورفض تقبل هذه الهيمنة الذكورية المتجلية اليوم في العنف فالاستماع[3] إلى النساء المعنّفات، وتقديم العون لهن، ومقاضاة المعنّفين، والتشهير الاجتماعي، بالعنف هو إحلال آليات التحرر في الفضاء العمومي محلّ آليات الهيمنة في الفضاء الخاص المغلق أو على الأقل بالتوازي معها، وهو إحلال يجعل من قضية كرامة النساء وحريتهن ومطلب المساواة مسألة سياسية بدرجة أولى. نجحت حيوية الحركة النسوية في تسليط الضوء على العنف اللّامرئي ضد النساء بعد أن حوّل إجراء الحجر الصحي « شدك دارك » المنازل إلى « معتقلات خاصة » مغلقة عل نساء يطلبن النّجدة من السلطة العمومية والفضاء الخارجي.

و لقد وقف البيان المشترك لجمعيات المجتمع المدني على مخاطر العنف ضد النساء وأطفالهن خاصة اللّواتي من هن في وضعيات هشة أمام تعطّل مرفق العدالة إذ، كما تقول الجمعيات الموّقعة: « تفاقم العنف ضد النساء وتضاعف خمس مراّت، بشهادة المؤسّسات الرسمية، وحسبما تؤكده مرافقتنا اليومية لضحاياه، يعود أساسا إلى استغلال المعتدين لظرف الحجر الصحّي حيث تقلّ كثيرا قدرة الضحايا على التّنقل سواء لقلّة وسائل النّقل والالتزام بالحظر أو لعدم توفّر الأمان اللاّزم لهنّ في الفضاء العام، وهو ما كشفت عنه الاعتداءات التي هزّت الرأي العام مؤخرا. بل أنّنا نجد المعتدين، في حالات كثيرة، يستفيدون من عزل الضحية بوضعها تحت الرقابة الدائمة بما يعسّر استنجادها وطلب المساعدة والاتصال بالأرقام المتوفرة، علاوة على ذلك فقد استفاد المعتدون من تعطّل السير العادي لمرفق القضاء، خاصة فيما يتعلق بقضايا النفقة، والحضانة، والطلاق، ومؤسّسة قضاء الأسرة المختصّة دون غيرها باتخاذ قرارات الحماية لفائدة ضحايا العنف ».

هكذا نلمس اليوم في تونس ما بعد الاستبداد مأسسة النّضال ضد العنف المسلّط في حق النساء من خلال ربط منظمات المجتمع المدني – مثل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات وغيرها – كأجسام وسيطة الصلة مع النساء الضحايا ممّا يساهم في خروجهن من عالم اللاّمرئي إلى العالم المرئي ويقوي، بالتّالي، قدرات المجتمع الدّفاعية ويؤكّد قيمة وفاعلية النّسوية المستقلّة وحضورها الراّهن في تونس بما هي نسوية تشكلت، على مسافة، وفي تصادم، مع نسوية الدّولة التي تحوّلت في السنوات الأخيرة لحكم بن علي إلى نسوية دعائية منخرطة في منظومة الاستبداد. لأجل ذلك تعدّ المصادقة على قانون القضاء على العنف المسلّط على النساء في أوت 2017 خطوة هامة كما يعدّ استمرار النضال الميداني النسوي والديمقراطي شرطا لتغيير الواقع. خاصة إذا ما استمرت السلطات العمومية في نفس النهج التعاوني الذي تبديه مع المنظمات النسوية وتستمر في العمل معها في شراكة دائمة ومن أجل استراتيجية متعدّدة الأبعاد.

عاملات القطاع الفلاحي أو حين تعطّل الكورونا أسباب البقاء

في شهادة أولى عن معاناة العاملات الفلاحيات تقول سناء، عاملة فلاحية من معتمدية بن عون من ولاية سيدي بوزيد، أنّها كانت توفر لعائلاتها 11 دينار يوميا بعد كلّ عمل فعلي، فأجرها الصّافي 14 دينار تقتطع منه 3 دنانير كلفة التنقل من بن عون إلى الضيعة الفلاحية. وقد فقدت عملها في الأيام الأخيرة نتيجة خطر العدوى الطّارئ الذي أصبح يمثله التنقل على متن الشاحنات والعمل في الحقول. والوقوف عن العمل إكراه صعب ومرّ كما تقول أسماء « ليس لنا حلّ آخر غير ذلك. في البداية واصلنا العمل مع تخفيض عدد النساء على متن الشّاحنة الواحدة، ولكن أجبرنا، في الأخير، على الانقطاع عن العمل في الضّيعات. في هذا خسارة مالية لي ولعائلتي. زوجي كان يعمل بشكل متقطّع على عربة مجرورة « كريّطة » وهو منذ مدة غير قادر عن العمل بسبب المرض. تقدمنا بمطلب للحصول على منحة العائلة المعوزة دون جدوى فهو لم يبلغ بعد سن 60 ولا حق له في ذلك حسب قول المسئولين ».

زعرة، من نفس الجهة وتعيش نفس الوضعية. فهي واحدة من النساء الفلاحيات اللواتي فقدن مورد رزقهن، على هشاشته. فالنساء العاملات في هذا القطاع متشبثات بشغلهن وتحوّلن في الوسط الريفي إلى معيل أول لأسرهن « عَمَلُنا في الحقول كان ضرورة لا غنى عنها، ونحن اليوم مجبرون على تركه. أرجو ألاّ تطول هذه الفترة فليس من السّهل تحمّلها ».

قياسا على أسماء وزعرة، الشاهدتان على كلفة المحنة الأخيرة بعد تعطلّ العمل والتّنقل، تعيش آلاف النساء في تونس مثل هذه الأوضاع منذ سنوات بل أصبحن جزءا من عالم العمل في الحقل الريفي.

نذكّر بأن هذه الفئة الهشّة من النّساء العاملات في القطاع الفلاحي تعدّ من أكثر الفئات المرشّحة لدفع كلفة اجتماعية باهضة اليوم. فهنّ ضحايا العمل في ظروف قاسية وبأجور ضعيفة دون حماية اجتماعية كافية وشاملة، وعرضة باستمرار لحوادث المرور التي سميت بحوادث « شاحنات الموت ». الباحثة فاتن مبارك[4] تذكر في مقال نشر سابقا عن معاناة المرأة الريفية: « تعتبر النساء الريفيات في تونس الفئة الأكثر تضرراً في المجتمع التونسي، فهنّ يعملن بشكل رئيسي كمعيناتٍ بدون أجر في الفلاحة الأسرية، أو كعاملاتٍ موسميّات بأجور متدنية وفي إطار غير مهيكل، ودون تغطية أو ضمان اجتماعي. حيث تظهر الإحصائيات أنّ 33.3% فقط من النساء الرّيفيات منخرطاتٌ في منظومة الضمان الاجتماعي. وهذه النسبة ضئيلة جداً مقارنة بعدد الرّيفيّات العاملات في القطاع الفلاحي الذي يعتبر أحد ركائز الاقتصاد التونسي، حيث يمثل 9% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر 16% من فرص الشغل، وهو يقوم بدرجة أولى على قوّة العمل النسائية، حيث يستوعب حوالي نصف مليون امرأة، أي ما يقدر بحوالي 43% من النساء الناشطات في الوسط الريفي، من بينهن 32.5% أجيراتٌ في إطار العمل غير المهيكل داخل المقاطع الفلاحية، والمزارع الكبرى ».

إنّ تأنيث الفقر في الوسط الريفي ومخاطر العمل غير المهيكل على المرآة الريفية لم يعد يحتاج إلى مزيد الإثبات، فهو حقيقة يعلمها الجميع تصعد إلى دائرة الضوء والاهتمام الرسمي مع كلّ حادث أليم لتعود للاختفاء، ولعلّ الأرقام التي أوردناها تغني عن كل تعليق.

يساهم معيش المرأة الريفية الغارق في التهميش، والذي يظهر بشكل واضح على سطح الحياة الاجتماعية بسبب حوادث الموت الجماعي التي تتعّرض لها النّساء العاملات في المناطق الريفية في تثبيت عنف اقتصادي مسلّط على المرأة كقوة عمل « فهن يجتزن مسافات طويلة تصل إلى 20 كلم، للوصول إلى موقع العمل بشاحنات أو جرارات فلاحية، تنقلهن لمقار أعمالهن دون حماية من حوادث الطريق الوعرة التي تسلكها تلك الشاحنات. وقد بينت الإحصائيات، دائما حسب مبارك أنّ 10.3% من العاملات في الأرياف هنّ ضحايا حوادث الشغل، منهن 21.4% معرضات لمخاطر حوادث العمل، و62.2% يعملن في ظروف صعبة، و18% يعملن في ظروف صعبة جدًا.

لامرئيات أمننا الغذائي وهنّ أكثر من نصف اليد الفلاحية في الوسط الريفي منسيات والحال أنّ استمرار العمل في الحقول يعدّ من قبل الجميع شرطا لتزويد السوق وتوفير المواد الغذائية، من أوكد المراجعات الضرورية ما بعد الأزمة الصحية هي خطة وطنية لحفظ كرامة من يزرعن الحقول ويحصدن ويؤمنّ لنا غذاءنا كلّ يوم.

هكذا نقف اليوم، ونحن نواجه جائحة كورونا، على حقيقة أن اللاّمساواة تجعل المجتمع لا يواجه الصّعوبات والأزمات بنفس الإمكانيات ونفس الحقوق.

فإنكار قضايا الواقع لا يعني غياب هذا الواقع ونعني به تحديدا واقع الهشاشة المميّز لأوضاع المرأة الريفية التي تقبل بالعمل الهش وتعرّض نفسها لمخاطر حوادث الشّغل وتفتقد لكل آليات الدفاع الجماعي عن حقوقها. فتوقّف العمل في الوسط الريفي بسبب إجراءات الحجر الصحّي يطرح مشكلا اقتصاديا واجتماعيا فعليا في قلب هذا المجتمع والاقتصاد غير المهيكلين.

عمل النساء في التجارة الموازية: سدّ الرّمق بمعزل عن الدّولة

في سياق الاقتصاد غير المهيكل أو الموازي والذي تقدر الدّراسات الاقتصادية الواقعية حجمه في مجمل النشاط الاقتصادي العام بما يقارب 40%، تقدم لنا راضية، مطلقة وأم لثلاثة أبناء من قبلي، شهادة عن تجربتها ووضعها الحالي: « أُجبرت على دخول عالم الاقتصاد الموازي بعد أن فقدت عملي بالمغازة العامة. ما تحصلت عليه من تقاعد لا يكفيني للتّكفل بكل مصاريف أبنائي ومواجهة صعوبات الحياة. كان نشاطي يقوم على التحوّل مرة في الشهر إلى الجزائر -واد سوف- مع عدد آخر من نساء قبلي لجلب بضائع ومواد استهلاكية بغرض ترويجها وبيعها في السوق الأسبوعية. كنت أقوم بذلك بنفسي صحبة نساء آخرين يعشن من هذا النشاط. اليوم، وبعد إغلاق الحدود وتضييق الحركة، توقف هذا النشاط وخسرتُ عائدات كانت شبه قارة تضمن استقراري الاقتصادي والاجتماعي. »

راضية تعترف أن توازنها المالي يمكّنها من الاستمرار في الإنفاق على عائلتها بعائدات تأجير منزل صغير والتعويل على الاقتصاد العائلي والترميق. وتضيف أنّ « عدة نساء أخريات تضررن كثيرا من هذا الوضع الجديد ولن يقدرن على الصمود كثيرا في وجه الأزمة إن طالت لكن تضامننا كصديقات وبنات الجهة يخفف من حدّة الوضع ».

قدرة المجتمع المحلي الفعلي في قبلي، لا فقط الرسمي المندمج والمهيكل، على مواجهة الحظر الصحي وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية لا تبدو قوية وهو ما يطرح من جديد، بشكل ملحّ، ضرورة وضع آليات قادرة ودائمة للتنمية في مثل هذه الجهات الحدودية. هذه الحقيقة السوسيولوجية تؤكدها منذ مدة وخاصة بعد 2011 جلّ التحركات الاجتماعية، فمعالجة هذه المسألة كما سبق إقراره من قبل محمد علي بن زينة[5] من خلال التركيز على وصمها بالتهريب أو باعتماد مقاربة أمنية صرفة تفتقد إلى النجاعة ما لم تبن على دراسات علمية ميدانية لفهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أفرزتها والتي تعيد إنتاجها. تعطّل هذا النشاط اليوم لا بدّ أن يُنظر له، كما تؤكد راضية نفسها، باعتباره إضعافا لقدرات المجتمع المحلي الذي اهتدى إلى حلول ذاتية على تحمّل تداعيات الأزمة. فاستمرار النّشاط التجاري الحدودي وفّر للشباب المعطّل أو لأمهاتهم قصبة هواء حيوية، وأجّل انفجار الأوضاع الاجتماعية من خلال نجاعة مؤقتة، وساهم في تخفيف الضغط على الدّولة التي لم تنجح في ربط القطاع الفلاحي في الجهة بالصناعات التحويلية رغم أنّها المنتج الأول للتمور. ويعود السبب إلى سيطرة رؤوس الأموال على مساحات واسعة من الواحات وعدم الاستثمار في الصناعات التحويلية في الجهة بل تحويل المنتوج إلى خارجها فضلا عن غياب استراتيجية لاستغلال الموارد الطبيعية من بترول، ومواد منجمية لتنشيط منظومة التشغيل.

من منظور أوسع، يطرح حمزة المؤدب هامشية المناطق الحدودية، باعتبار النشاط الاقتصادي غير المهيكل في المناطق الحدودية إجابة موضوعية لمسار تاريخي تونسي هو « التطور غير المتناظر للدوّلة » أي التنمية غير العادلة للمجال الترابي للدولة بين الجهات الساحلية والجهات الدّاخلية مما حوّل غياب الدولّة إلى دافع لتشكلّ حالة اقتصادية شبه مستقلة عن المسار الاقتصادي الرسمي وغير خاضعة لقوانينه. فالاقتصاد الموازي يمتدّ إلى خارج المناطق الحدودية ولكنّه يتمدّد أيضا داخل المجتمع، وليس من الهيّن انسحاب فاعليه والناشطين والناشطات فيه للالتزام ببيوتهم سواء كانوا من العاملين والعاملات فيه أو المستفيدين منه كحرفاء في استهلاكهم اليومي.

مزيّة مثل هذا النشاط الاقتصادي على النساء تكمن في تحوّله إلى عامل تحرّر للمرأة من خلال احتلال مجال العمل والخروج إلى الفضاء العام في تمردّ هادئ على منظومة قيمية ذكورية تريد حصرها في الفضاء الخاص. وسيكون كلّ تخطيط تنموي محلي غير مدمج لفئة النساء بمثابة انتكاسة وردّة إلى الوراء.

عاملات النّسيج اليد العاملة الرخيصة أو منسيات آلات الخياطة [6]

في مستوي آخر من المهمّ أن نسلّط الضّوء على قطاع آخر يشكو تراكما للمشاكل منذ سنوات وخاصة منذ نهاية الثمانينات التي عرفت شبه انهيار لهذا القطاع المشغل خاصة لليد العاملة النسوية ونعني بذاك قطاع النسيج والملابس. تعيش اليوم ما يقارب 160 ألف امرأة من عملهن في هذا القطاع الذي يعتمد بالأساس على الشّركات المصدّرة كلياّ بموجب قانون 72، وما يقدّمه من تسهيلات للمستثمرين الأجانب.

« فالمظالم التي تتعرّض لها المرأة العاملة في قطاع النسيج أصبحت ترتقي إلى عنف ممنهج ومقنن من قبل أصحاب القرار في مختلف المستويات داخل هذه الصناعة، في الداخل والخارج، وبتواطؤ من الدولة، التي هيأت، من خلال ترسانة كبيرة من القوانين والتشريعات، الإطار الملائم لاستغلال اليد العاملة النسائية

فمعاينة حالة الإقصاء والتهميش التي أصبحت تعاني منها النساء العاملات، بعد طردهن وغلق الأبواب أمامهن، يجعلنا نؤكد أن الظروف الحالية التي تعمل فيها المرأة العاملة في قطاع النسيج تجعلها ضحية آفتين: تتمثّل الأولى في استغلالها على مدى مسارها المهني، والثانية في الإقصاء الاجتماعي والتهميش عند قطع العلاقة الشّغلية بشكل تعسّفي قبل الوصول إلى سن التّقاعد.

« لقد وفر منوال التنمية الحالي المنبثق عن سياسات الإصلاح الاقتصادي الهيكلي، التي فرضتها العولمة، الإطار الملائم لهشاشة العمل، إذ وفرت الدولة كل التشريعات القانونية الملائمة لمصالح رأس المال على حساب اليد العاملة.

أي أساسا على حساب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للنساء العاملات في قطاع النّسيج خاصّة أن بقاء هذه الصّناعة بعد إلغاء الاتّفاقيات متعدّدة الألياف، أصبح رهين قدرتها التنافسية الّتي انبنت على ميزة انخفاض أجور العاملات.

إن الخيارات والسّياسات التي تبنّتها الدولة إثر تبني الإصلاح الاقتصادي الهيكلي جعلها طرفا غير محايد، فبقدر ما عملت على توفير كل الحوافز والتشجيعات لرأس المال الخاص، من خلال الإعفاءات الجبائية السّخية بهدف التّشجيع على الاستثمار، بقدر ما عملت على خلق الظروف الملائمة، عبر توخي سياسات الإغراق في مختلف المجالات للحفاظ على الميزة التي قامت عليها صناعة النسيج والمتمثلة في اليد العاملة الرخيصة، لاستغلال النساء العاملات في هذا القطاع

وينضاف إلى كل ذلك التشريعات والقوانين التي تقر التمييز حتى بين النساء أنفسهن في مجال التغطية الاجتماعية وحق الولوج للتقاعد المبكر للمرأة العاملة المسرحة قبل سن التقاعد بشكل تعسفي عبر فرض شروط لا تراعي اختيارات المرأة وحقوقها النفسية والصحية والجسدية التي تكفلها كل التشريعات التي صادقت عليها الدولة التونسية عندما يشترط بلوغها 50 سنة و3 أبناء في الكفالة لتتمتع بهذا الحق. فبأي حق تحرم المرأة التي لم تتزوج أو التي تزوجت ولم تنجب أو أنجبت أقل من 3 أطفال من التمتع بنفس الامتيازات التي تتمتع بها زميلاتها اللاتي أنجبن 3 أطفال، رغم أنهن كن في نفس ظروف العمل وتعرضن لنفس الانتهاكات. إن عدم التغطية الاجتماعية للنساء العاملات اللاتي وقع إقصاؤهن من العمل بطرق مختلفة يعتبر انتهاكا صارخا لا يمكن تبريره من قبل الدولة لحقهن في التداوي، خاصةً وأن جلهن يعانين من أمراض مهنية مزمنة. »

ولعلّ ما صرّحت به ربح، 42 عاما، بأنها لم تستطع الحصول على عمل جديد بمؤسسة أخرى بعد طردها التعسفي، مثال على حدّة الاستبعاد الاجتماعي للعاملات بعد بلوغهن سناّ معينة إذ « تتعرض النساء العاملات في قطاع النسيج إلى جانب الاستغلال وانتهاكات حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية خلال مسارهن المهني إلى الإقصاء والتهميش الاجتماعي عادة بعد سن الأربعين بأشكال مختلفة حسب وضعيتهن القانونية، ذلك أن معظم أرباب العمل في هذا القطاع لا يفضلون تشغيل النساء المتقدمات في السن نظرا للأمراض التي تتعرضن لها ولتراجع مردودهن في العمل وهو ما يجبرهن على البطالة القسرية. وفي أغلب الأحيان يحرمن من حقهن في التداوي ويعجزن عن توفير ضروريات العيش في وقت تزداد فيه متطلبات متابعة وضعهن الصّحي وتوفير مستلزمات تربية الأبناء. كما أن التشريعات الحالية لا تمكنهن من الولوج إلى التقاعد المبكر إلا ضمن شروط محددة لا تتوفر لأغلبهن (50 سنة عمر و3 أبناء في الكفالة أو نسبة عجز تفوق 66%) ويتعرضن إلى هذه الوضعية بطريقتين مختلفتين مقننتين توفرها التشريعات الحالية في إطار ما يعرف بتطبيق مرونة التشغيل. »

بالإضافة إلى الأجر الزهيد الذي تتقاضاه العاملات في القطاع ومخاطر الأمراض المهنية والطرد التعسفي يتنامى لدى العاملات شعور بالغبن والاستغلال. ليلى، إحدى العاملات منذ ثلاث عقود، كانت قد صرّحت سابقا: « حين أسمع أن هناك من يتقاضى راتبا شهريا قدره 1500 دينار أو 2000 دينار أجهش بالبكاء وتتملكني حالة من الحزن والشعور بالقهر وأشعر أنني لست مواطنة في بلد يتشّدق حكّامه بحقوق المرأة، بعد 30 عاما من الشغل يجود علي صاحب المصنع بأجر قدره 400 دينار لا يكفي حتى وإن اقتصرنا على أكل البصل ».

هذا الإحساس بالغبن الملازم لعاملات النسيج، « بنات المعمل » كما يقال عنهن، غالبا يتكشّف أكثر فيما صرّحت به لنا مؤخّرا بعد أزمة الكورونا ربح أصيلة القصرين تعرضت إلى الطرد التّعسّفي بعد غلق المعمل التي كانت تعمل به وتحيّل صاحبه المستثمر الأجنبي تقدّم شهادتها عن وضعها في الأيام الأخيرة للحجر الصحي  »منذ وصول الوباء إلى إيطاليا بدأنا نشعر بحدّة الخطر بعض المعامل واصلت العمل إلى حدّ 20 مارس البنات والنساء تملكهم الخوف المعامل فيها 100 و150 عاملة آلات الخياطة قريبة لبعضها « يكذب عليك ما فما حتى ماكينة بعيدة مترو على الأخرى ».

ربح التي حافظت على علاقات تواصل مع زميلاتها تؤكد أن العديد منهن شعرن بالقلق الشديد على حياتهن وعلى مصير أبنائهن « أنا تركت ابني لدى جارتي، فما هو مصيره لو أصبت بالمرض ». هذا ما تنقله ربح عن إحدى العاملات. ومن جهة أخرى تعيش ربح بواسطة « الكريدي » بعد خسران أجرها وعدم حصولها عن تعويضات الطرد المستحقة. « لي الآن 200 د ديون لدى دكان الحي. ليس لي حلّ آخر ولست أدري كيف سأخرج من هذه الوضع. ليّ ربّي ».

حدّة الأزمة التي تعيشها ربح تتداخل فيها عدة عناصر: سنوات من العمل، وقرار الطرد التعسفي الجائر، وعجزها صحبة زميلاتها (60 عاملة) عن الحصول على منحة الطرد التي أقرها القضاء. واليوم تلزمها هشاشة اقتصادية واجتماعية بالحظر والتوقف عن كلّ حراك احتجاجي كانت منخرطة فيه للمطالبة بحقوقها، وهي حالة تعكس العلاقة المركبة داخل علاقات الإنتاج القائمة بين الإقصاء الاقتصادي والاقصاءين الاجتماعي والسياسي. كما تعكس ممكنات تبلور وعي ذاتي بالحقوق وبمشروعية المقاومة السلمية والمدنية.

في شريط قصير أنتجه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالشراكة مع منظمة « بدائل » الكندية نقف على عديد الشهادات المماثلة لوضع العاملات في القطاع للإشارة إلى الأمراض المهنية، والإحساس بالاستغلال الاجتماعي والطبقي من قبل بعض المستثمرين الأجانب، وضعف الحماية القانونية، والتمثيل النقابي. تلخّص بسمة حدّة هذه المعاناة « مرتّبي كان هو شرط حياتي، هو موردي لتوفير الحاجيات لابني وابنتي. أنا اليوم، منذ طردي وتنصّل المشغل من مسؤولياته، بلا مرتب. فقدت كلّ شيء. »

وللتذكير فإنّ المنتدى ما فتئ يتابع، منذ بداية الأزمة، تداعياتها على عاملات النسيج، ونبّه إلى آثارها السلبية. وقد برز ذلك في البيان الذي أصدره بتاريخ 19 مارس 2020.

عاملات النّظافة: حين تستمر المناولة بعد الثورة ويتفاقم الخوف زمن الكورونا

في مسار آخر، تعيش فئة اجتماعية أخرى هشاشة هيكلية، وهي اليوم في الخط الأول للقوى العاملة المستمرّة في العمل في فترة الحظر وتوقّف قطاعات اقتصادية أخرى. ونعني هنا قطاعي عاملات النّظافة وأعوان الحراسة.

لنذكّر بداية بأنّ عبارة الهشاشة في العمل تستعمل في فقه قانون الشّغل باعتبارها صفة تطلق على من يكون في وضعية غير ثابتة، ومؤقتة، ووقتية، وهي تشير إلى حالة الضعف، والهزال، والقابلية للانكسار والزّوال، ويترتب عن هذه الهشاشة في العمل اللاّمساواة في الأجور، والحرمان من الترقيات، والعمل تحت تهديد الطرد التعسفي وإلغاء عقود العمل الوقتية.

هذه الهشاشة الهيكلية لجزء هام من قوة العمل تجلّت خطورتها في هذا المنعطف الأخير للوباء. تقول حياة الطرابلسي، الكاتبة العامة لجامعة المهن المختلفة بالاتحاد العام التونسي للشغل: « عاملات النظافة يعملن في القطاع الخاص وفق قانون المناولة حيث أن المشغّل المباشر لا يوفّر لهن مواد التنظيف والتعقيم. بعضهن يشعرن بالنفور والتجنب من قبل العاملين والموظفين كما لو كنّ حاملات للفيروس (…) لتنظيم العمل بالنسبة للمرأة العاملة، يقسم اليوم إلى حصتين، الأولى صباحية بساعتين ثم حصة مسائية بساعتين. بعضهن يلجأن إلى البقاء في الشارع لاستحالة العودة إلى المنزل، فيجمعن قوارير البلاستيك على قارعة الطريق أو من حاويات القمامة ليبعنها إلى مستودعات التجميع للحصول على مبلغ إضافي في آخر اليوم ».

قبل 2011 تفيد الأرقام أن 120 شركة مناولة كانت تشغّل ما بين 80 و90 ألف عاملة نظافة بين القطاعين العام والخاص. اليوم وبعد إلغاء العمل بالمناولة في القطاع العام لا يزال القطاع الخاص (الشركات، قطاع الخدمات، البنوك…) يشغّل حوالي 40 ألف عاملة نظافة بأجور متدنية ودون حماية اجتماعية.

وقد سجّلنا في أفريل الفارط تحركا اجتماعيا لعاملات نظافة مدينة الثقافة بعد تعرّضهن للطرد التعسفي من طرف الشركة المشغلة. وقد أصدرت جمعية أصوات نساء حينها بيانا يندّد بهذا الطرد التعسفي وينتصر لحقوق النساء المطرودات ويعبّر عن امتعاضه من تواصل تعاقد الوزرات والمؤسسات العمومية مع شركات مناولة لا تحترم حقوق العاملات والعمال[7]

هذه الفئة النسوية الثالثة بعد عاملات قطاع الفلاحة وقطاع النسيج تكشف عن واقع الهشاشة الذي تعيشه النساء في قاع المجتمع وتدفع للوقوف على تداعيات هذا الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي على الدوّر السياسي المفترض للنساء في مسار بناء ديمقراطية تضمن الحقوق لكل التونسيين والتونسيات وترفع كلّ أشكال التّمييز ضدّ النّساء.

صعوبات فعلية يصطدم بها هذا النضال النّسوي السّلمي النّقابي والمدني والحقوقي سواء ضد العنف كتهديد أفقي يمسّ ربما بشكل أوسع نساء الفئات الاجتماعية الهشة أو ضد الاستغلال الاجتماعي في عالم العمل والاستبعاد من الفضاء العمومي لأن مجالات تقاطع النضالات النسوية ضعيفة بل هي غير مرغوب فيها من لدن بعض المناضلات النسويات لأن سياقات الرّبط بين النضال الاجتماعي من أجل الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية سواء كانت جندرية أو غير جندرية ليست متوفرة اليوم بسهولة.

نانسي فرايز، المفكرة والمناضلة النسوية الأمريكية والمتدخّلة اليوم بقوة في الجدل الفكري حول مستقبل العالم بعد الكورونا لا تريد اختزال هويتها في الحقل النسوي بل تحرص على ربط نضالها السياسي والاجتماعي بالنضال ضد الرأسمالية المعولمة والسياسات النيوليبرالية، وهو ما تسميه هي حركة نسوية التسعة والتسعين (99%) التي تقابلها بنسوية الواحد بالمائة 1% أي نسوية النخب. فالنضال النسوي بمضمون اجتماعي والذي يستهدف الفقر والحيف الاجتماعي ويهدف إلى تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية لا بدّ أن ينخرط في نضال اجتماعي أوسع من أجل عدالة توزيعية تضمنها الدّولة. هكذا يتخذ طرح مسألة المساوة عند نانسي فرايزر[8] دلالة راديكالية لأن التأويل الليبرالي للمساواة في نظرها هو تأويل استحقاقي على قاعدة الجدارة. عماده فكرة ترى أن النساء هن في نهاية الأمر أفراد، يتوجب أن تكون لهن، مثَل الرجال الفرصة والحظ في أن تذهبن إلى أبعد مستوى تسمح به لهن مؤهّلاتهن بوصفهن أفراد، ما تعنيه النسوية في جيلها الثاني كما تحبّ أن تسميها بالنسبة للمفكرة والمناضلة الأمريكية هو فكرة أكثر صلابة وراديكالية عن المساواة تتعلق حقا لا بتنويع الهرمية الجنسية بل بإنهائها وعليه فهي ترى أن المساواة الاستحقاقية على أهميتها لا تنهي اللاّمساوة في كلّ أبعادها.

ما يطرح اليوم اذن على الحركة النسوية في العالم تأهّبا لما بعد الكورونا هو تنزيل النضال الاجتماعي المطلبي والقانوني والثقافي ضمن حركة نضال سياسي أوسع ضد استمرار الخيارات النيوليبرالية ودفاعا عن مبادئ العدالة الاجتماعية. فحسم المعركة طبيا ضد الكوفيد 19 بالتحكم في انتشاره وباللقاح لا يعني حسم المعركة مع القوى المحافظة المتحالفة من أجل استدامة علاقات الهيمنة القائمة استحقاق المرحلة القادمة.

لا تعني هذه الرؤية / الخطة النضالية التي تطرحها فرايزر تطابقا كاملا مع الوضع التونسي الذي يستمر فيه العمل النسوي التحرري ضروريا على كلّ الأصعدة سواء كانت الثقافية لمناكفة القيم المحافظة المعادية لحقوق النساء أو القانونية لتطوير التشريعات لضمان المساواة التامةّ أو الاقتصادية والاجتماعية المطلبية والسياسية وسيبقي بالنسبة لنا في تونس كلّ نضال مدني سلمي وجماهيري من أجل بديل تنموي ديمقراطي مشروطا بالدور الفاعل للنساء. فلا سبيل إلى تونس أخرى أفضل بدون إسهام جميع قدراتها النسائية. لا تونس أخري ممكن دونكنّ محميات في حقوقكن كاملة وضامنة لكرامتكن.


[1] جريدة المغرب 15 أفريل 2020
[2] بيار بورديو الهيمنة الذكورية، ترجمة د سلمان قعفراني، المنظمة العربية للترجمة
[3] متضامنات مع كلّ النساء المعنّفات العالقات مع معنّفيهن/تجايهها مساوة-وتضامن/ماكش وحدك
[4] فاتن مبارك « المرأة الريفية في تونس العمل الغير مهيكل ومعضلة الـتأنيث » السفير العربي 16 02 2020
[5] محمد علي بن زينة بمشاركة روضة القدري وأمال الفرجي عنما تلتقي التجارة الموازية مع النوع الاجتماعي، بحث ميداني في التجارة البينية الحدودية بمنطقة نفزاوة، سلسلة « كلمات عابرة »، منشورات جمعية « نشاز »- تونس 2019.
[6] أنظر للمزيد من التفاصيل « المرأة العاملة في قطاع النسيج من هشاشة العمل إلى الإقصاء الإجتماعي » دراسة من إنجاز الأستاذ منير حسين https://ftdes.net/rapports/textile2.ar.pdf
[7] الصباح نيوز الجمعة 19 أفريل 2019
[8] حوار مع نانسي فرايز « النسوية في الأزمنة النيوليبرالية »، حوار كوني ترجمة منير سعيداني عدد 3، سلسلة 8، 2018

Show More
Close