تقرير لجنة الحريات والمساواة – مقاربات سياسية

في ظلال لجنة الحريات الفردية والمساواة

هناك من القضايا الاجتماعية التي تكتسي حساسية كبرى لدى الرّأي العام والتي عادة ما تضع في حرج الأطراف السياسية الساعية بطبعها إلى اكتساب تعاطف الشعب معها، فتجد نفسها في المأزق الكلاسيكي بين الانخراط في كبرى المبادئ الإنسانية تناغما مع حقوق الإنسان الدولية وما تقتضيه سنّة التطوّر والارتقاء بالمجتمعات إلى الأفضل من جهة والانكفاء على التقاليد ومسايرة السائد في المجتمع بدعوى الأصالة والهويّة من جهة أخرى أو بدعوي اولوية قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية ونخبوية معركة الحريات الفردية.
نذكر من بين هذه القضايا التي سبق أن أحدثت جدلا كبيرا في السنوات الأولى للثورة قضية النساء العازبات، والتبنّي، وزواج المسلمة بغير المسلم،وعقوبة الإعدام، والتعذيب وانتهاكات حقوق الانسان، وضحايا قانون 52 إلخ. ونتذكّر جميعا تحوّل هذه القضايا إلى معارك سياسية-فكرية تجاوزت رقعتها حيز المجلس التأسيسي لتمتدّ إلى الفايسبوك ووسائط الإعلام بشتى أنواعها، ولتقتحم بيوت اللّه التي حوّلتها بعض الأطراف إلى ما يشبه الشعب الحزبية، أو تأخذ،أحيانا،شكل حملات شبابية تتجاوز فيها القدرات التعبوية الجديدة للشباب قدرة القوىالسياسية والنقابية والمدنية التقليدية على احتضانها.
تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة لم يكتف بإثارة بعض هذه المسائل بل جمعها في سلّة واحدة ليطرحها دفعة واحدة على الرأي العام المدني والسياسي، وهو ما أحدث رجّة عنيفة مازلنا نعيش تداعياتها إلى اليوم، وأعادإلى الحياة السياسية طابعالصّراع والتنافس الطبيعي بين مختلف الأطراف بعد ان كاد يقتلها وهم التوافق بالطريقة التي مورس بها.
لمناقشة هذا الموضوع، دعونا ثلاثة من الوجوه السياسية الممثّلة لأهمّ التيّارات السياسية والفكرية في البلاد، وليس هذا فقط، بل لأنّ ثلاثتهم عبّروا بأسمائهم الخاصّة عن مواقف تجاوزت مستوى الإعلان السياسي المبدئي الصّادر عن أحزابهم، وتطرّقوا إلى أبعد من ذلكبإثارة بعض من الأبعاد الثقافية-السوسيولوجية لمسألة الحريات الفردية في علاقة بالثقافة السائدة في المجتمع، بينما برزت أصوات من داخل العائلة النهضوية لم تصطفّ على الموقف الرسمي للحزب النهضة، ومنها صوت محمد الڨوماني
وهو ما سيساعد، ربّما، إلى التّطرّق إلى دور السياسي كصانع للرأي العام،ومهمّة الأحزاب السياسية في بلادنا في التوفيق بين الاضطلاع بمهمّة الإصلاح الاجتماعي ومعركة الحريات والذّهنيات من جهة والتحوّل إلى قوّة جماهيرية قادرة على كسب الانتخابات بلغة الأرقام من جهة أخرى.
كما سيساعد على طرح إشكالية الترابط بين الحريات الاجتماعية والحريات الفرديةخاصة في ضوء استمرار التباعد والتنافر المعطل للتحول الديمقراطي بين حملة لواء الحقوق الفردية من جهة ومناضلي الحركات الشبابية والاجتماعية من جهة أخرى.
بهذه المناسبة، يسعدنا أن نرحّب إذن بـالسيد حمّة الهمّامي، النّاطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية والذي سبق أن كتب ثلاثة نصوص على الأقلّ بتوقيعه الشخصي، في مسألة المساواة في الميراث، ومحتوى تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، وعقوبة الإعدام.
والسيّد محمد القوماني، الذي اختار موقفا وسطا يتباين مع « خطاب أنصار الفريقين [وما اعتراه من]مخالفات صريحة للدستور والقانون بما في ذلك نعوت الظلامية والداعشية والدعوة إلى ترك البلاد والاتهام بالكفر والإلحاد في آيات الله ومحاربة الله ورسوله ومخالفة صريح القرآن والتشبه بقوم لوط وغيرها من العبارات التي ترتقي إلى الحرب الأهلية الكلامية وتعود بالبلاد إلى أجواء الاستقطاب المقيت وتيه العلمنة والأسلمة وما قبل سقوط جدار برلين، والمناخات التي وفّرت أرضية الإرهاب والاغتيالات السياسية وكادت أن تعصف بالثورة والسلم الأهلية منذ سنوات خلت ».
والسيد محمد عبّو، أمين حزب التيار الديمقراطي، وكان كتب، بدوره، تدوينةشهيرة بعنوان »كلام في الدولة والدين والدستور والنفاق » مثلت حدثا في الساحة السياسية واعتبرها البعض منعرجا في مسيرة حزب التيار الديمقراطي وانفتاحا على شرائح مجتمعية ربّما كان لها بعض التحفّظ على المنحى الهوياتي للحزب.
الدّعوة مفتوحة وموجّهة إلى الجميع للحضور وإثراء النّقاش في كنف الاحترام المتبادل والالتزام بأدبيات الحوار وتبادل الآراء.

Show More
Close