ورشة التحليل السينمائي والنقد، ملتقى بنزرت للسينما 2013 : مبنى الدّولة للاريسا صنصور بقلم مجد مستورة

يمكن أن لا يأتي يوم و يصبّ النّيل في الفولغا و يصبّ الأردن في نهر الفرات كما يقول درويش…لكن لا بأس أن يأتي يوم و نستثمر فيه بعض مهارات هاذي الحضارة العظيمة في إعادة تقسيم الأرض عموديا في صندوق من الاسمنت المسلّح يتّخذ من أسلاك الكهرباء شرايين له تقول للوطن كُن فيكون…لعلّ الأرض ضاقت بهؤلاء أو ضاقوا بها و سئم منهم أجوارهم و قالوا لأنفسهم إلى الجحيم هذه الرّقعة و تركوها صاعدين إلى جنّة النانوتكنولوجيا متّخذين الآلهة أجوارا…

و لا يجب أن ننسى طبعا أنّ العصر عصرُ السّوق و تلبية الحاجيات على أحسن تقويم و حتّى خلقها إن وجب الأمر, و هذا أمر يتطلّب الكثير من الذّوق الرّفيع و إدراكًا لمعايير الجمال العصرية, و لذلك فمن الحكمة تفكيك الجغرافيا و إعادة ترصيفها في قائمة تكون قراءتها أسهل للهضم بكثير من خارطة مثقلة بالتّاريخ و بوزر الكتب السّماوية و ما تريقه من دماء, كما أنّ زخرف الكوفية يبدو جذّابا أكثر في أواني المطبخ منه على رقبة جهادي يحمل رشّاشا, كما أنّ إسم غزّة يصير أكثر أناقة حينما تصير المدينة المشهورة بالسّوشي عوض الرّصاص المصبوب و الوجع اليومي.

هكذا تظهر لنا فلسطين في عالم مبنى الدّولة للمخرجة الفلسطينية لاريسا صنصور بحسّها الكوميدي الأسود, جنّة الصّعود التّكنولوجي و الهبوط الإنساني, عصر تُختَزَلُ فيه الأرض في مجموعة من الرّموز المفرغة من محتواها و الّتي تصير سلعا تخدم دورة الإنتاج و لا تُساهم بأيّ شكل فعليّ في التّذكير بقضيّة الأرض و تغدو مجرّد ديكور و فلكلور لا يسمن و لا يغني من جوع…و لكن إلى جانب هذا التّسليع لعناصر إلتصقت بالكائن الفلسطيني من مأكل و ملبس و أشجار زيتون, قد يتواجد بصيص من الأمل في بطن الفلسطينية الحامل تحاكي القدس بعينين ثابتتين من خلال نافذة إلكترونية قد تقول فيما تقول: »يا صديقي أرضنا ليست بعاقر » على قول الشّاعر.
شريط مبنى الدّولة معتمد على تقنية الصور المركبة رقميا, خيال في الشّكل يُوظَّفُ خدمةً لواقع فلسطيني متخيّل في المستقبل بمخاوفه من عصر تسليع الإنسان و عولمة الهويّة.

Show More
Back to top button