ورشة التحليل السينمائي والنقد، ملتقى بنزرت للسينما 2014. حومة السينما بقلم رانية كرموص
تمثّل قاعة سينما « سييرّا مايسترا » محور فيلم بلا سينما حيث يطرح المخرج الجزائري لمين عمّار خوجة أسئلته حول السينما عامّة والقاعة خاصّة على سكّان حومة ميسوني فتُطرح قضايا عن طريق التفاعل بينهم وبين عدسة الكاميرا فتنقلك الحوارات إلى أبعاد أخرى وذلك ابتداءا بالمعاني المتعدّدة للفظة « سينما » حيث تصبح مرادفا لأيّ فعل أو قصّة لا يتمّ تصديقها وكأنّ السينما إرتبط في البعد الشعبي بالخيال والمجازية كما نجده اكتسب بعض الترفّع عن الشارع أي عن الواقع الإجتماعي. يستغرب مثلا البعض على لمين عفويّته في تصوير الحياة اليومية ويستنكرون خروجه « وين كاين فوضى » ممّا ينقلنا إلى قضيّة دور السينما كفنّ : هل أنّ السينما وسيلة تثقيف كما يؤكّد العديد من شخصيّات الشريط أم أنّه تسلية ؟ هل أنّ دور السينما يتمثّل في نقل صورة منمّقة و « نظيفة » عن الواقع أم في نقل الواقع كما هو ؟ ولو أنّي شخصيّا أشاطر رأي لمين في أنّ السينما كغيره من الفنون ليس للتثقيف فقط ولا للتسلية فقط بل هو لا يتحمّل الإسقاط والأدوار المُنمّطة فإنّ المساحة التي أتاحها المخرج لجميع المستجوبين خوّلت لهم التعبير عفويّا وبكلّ بساطة، وبنفس العفوية والبساطة التي طرح بهما لمين أسئلته، جعلتني، كمتفرّجة، أنساب مع فيض الأحاسيس والتردّدات والتساؤلات ومحت المسافة حتّى بيني وبين من لا أشاطرهم الرّأي. هي آراء متباينة أحيانا إذ نجد رجلا يصرخ « ديرو غير تع الدزاير » ثمّ نمرّ مباشرة إلى امرأة لا تحبّ أبدا الأفلام الجزائرية وتعشق السينما ـ أي المسلسلات ـ التركية.
وشيئا فشيئا ينساق الشريط مع خلجات النّاس بعيدا عن موضوع السينما نفسه ويصبح السؤال الأوّلي شبه ثانويّ فنكتشف مع لمين معاناة العديد من سكان ذلك الحيّ من مارّة وباعة متجوّلين قادتهم البطالة إلى الانتصاب الفوضوي وعائلات بدون مأوى فتنعكس حقائق النّاس بلا سينما كما هي كتلك الفتاة في الثامنة عشر التي تحلم بالزّواج ليكون لها بيت بعد أن تنازلت عن حلم أكبر، أن تكون مضيفة طيران لتجوب العالم، وكأنّ قسوة واقعها أجبرتها على تلخيص العالم بأسره في بيت واحد، بيت يظلّ هو نفسه مستحيلا. وإن كان شعورها بمرور الزّمن، على صغر سنّها، مثقلا بآلامها، فإنّ كاميرا لمين عمّار خوجة لا تلخّصها في تلك الآلام بل تلتقط جوهر إنسانيتها وفردانيتها وحرية تفكيرها من خلال ابتسامتها وحركاتها وصمتها أحيانا وعمق نظرها. فالبعد الإجتماعي، على عمقه، لم يفرض على الشريط أن يتّسم بالكآبة أو أن يبعث على الملل بل استطاع لمين أن يجعله مرحا وخفيف الرّوح سواءا على مستوى حضور شخصيّاته أو حيويّة مكانه أو اختياره للموسيقى فتناغمت جميع المستويات لتؤلّف عملا متفرّدا بامتياز