المجتمع المدني في رؤى اليسار والإسلام السياسي

15110395_568737249978642_481849717221954714_o

 

 

قد تكون عبارة أو مصطلح « المجتمع المدني » من أكثر الكلمات تداولا واستعمالا في قاموس المفردات الذي عمّت الساحات السياسية والمدنية والإعلامية في مرحلة ما بعد الثورة ومع ذلك ظلّ محلّ تنازع من حيث تعريفه وتفكيكه وحصر معانيه.

فالإسلام السياسي قد تناول هذا المفهوم على مدى مسيرته الطويلة من المراجعات والتعديلات منذ التسعينيات في محاولة منه لرسم ملامحه ضمن ضوابط « العقل الإسلامي »، إن صحّ التّعبير. (راجع كتاب راشد العنّوشي مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني  1999).

بينما اليسار التونسي بمختلف مكوّناته، وباعتبار مسألة « الدّفاع عن المجتمع » العنصر المؤسّس لهوية كلّ يسار، فقد رفع، من جهته، مفهوما علمانيا للمجتمع المدني معتمدا في ذلك على أعمال غرامشي وعلى الرّصيد النّضالي لجمعيات الدفاع عن الحقوق المدينة طيلة العشريات الأخيرة.

منذ 2011 ما فتئت الخصومات حول مفهوم المجتمع المدني تفصح عن رهانات عملية مباشرة في صلب البناء الديمقراطي. وحتّى إن عمدت الأطراف الفاعلة في مرحلة ما بعد الثورة إلى الاحتفاء سوية بالدّور المحدّد للمجتمع المدني في صياغة دستور 2014، فإنّ عديد الالتباسات مازالت قائمة فيما يخصّ تعريف هذا الأخير بل لعلّ هناك تعمّد في الإبقاء عليها.

ونحن سنحاول من خلال هذا اللّقاء التطرّق إلى مواطن الغموض والالتباس الحاضرة باستمرار في الخطابات المتصلة بالمجتمع المدني بصفته الفاعل الأساسي في « الانتقال ». وقد ارتأينا لذلك دعوة ممثلين عن اليسار وعن الإسلام السياسي من أجل تقابل الرّؤى وتفكيك هذا المفهوم.

وسوف لن نكتفي، هذه المرّة، بدعوة المتدخلين ليقدّموا لنا تعريفاتهم للمجتمع المدني بل سنطرح عليهم أسئلة محدّدة عن الرّهانات الملموسة التي سوف تحدّد مصير الديموقراطية التونسية، من قبيل :

  • هل أنّ النّسيج الجمعياتي، باعتباره الفضاء الأفضل للتعبير خارج منظومة الدّولة، يتطابق تماما مع المجتمع المدني كما يذهب إلى ذلك العديد من الأطراف سواء داخل الطبقة السياسية أو في الوسط الجمعياتي ؟ ماذا عن مشاركة المدني بصفة فعلية في مراقبة التسيير الديمقراطي وإيلائه الدور الاقصى في ضمان شفافية المؤسسات والحق – مثلا – في تقديم الدعاوي للقضاء… ؟
  • ماذا عن مكانة المساجد في المجتمع المدني ؟ هل هي فضاءات تفسح المجال للتعبير السياسي-الديني بمعنى أنّها امتداد للفضاء العامّ وجزء من المجتمع المدني (علما وأنّ الدّستور بقي غامضا في هذا المجال) أم أنّها تكتفي بفضائها الخاصّ كأماكن عبادة تخضع إلى رقابة مرفق عمومي تضمنه الدّولة ولا يحقّ لأيّ كان توظيفها لغير غاياتها الأصلية ؟
  • وماذا عن الحركة النقابية التي تميّزت بدور خاصّ في الحياة السياسية التونسية منذ أمد طويل، هل يتعيّن عليها الاقتصار على دورها كمنشّط أساسي للمجتمع المدني ونوع من البيت المشترك لمختلف مكوناته ؟ أم أنّ تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل يخوّل له مواصلة الاضطلاع بدور سياسي من الدّرجة الأولى وعدم الاكتفاء بالبقاء في حيز المجتمع المدني ؟

مثل هذه الأسئلة وغيرها تدور في الأذهان دون أن تفضي إلى النّقاشات المفترض أن تدور حولها. وهو أمر دأبت عليه حياتنا السياسية التي تعوّدت على التعتيم عن الأفكار وتجنب النقاشات وتبادل الآراء بين مختلف الفاعلين. وأملنا، أن نساهم بعض الشيء من خلال هذه المبادرة في إرساء مناخ تفكير ونقاش في مستوى متطلبات الوضع.

 

 

 

 

 

Afficher plus
Bouton retour en haut de la page