المسألة الجهادية من منظور آخر

قد لا نستطيع الحديث عن موقف واحد لليسار من الظاهرة الجهادية نظرا لتعدّد أطراف هذا اليسار وصعوبة رسم حدوده بل حتى تعريفه تعريفا شافيا. وهو ما جعل الآراء داخل هذه العائلة الواسعة والمفتوحة حول تفسير الجهادية والموقف منها تتراوح بين التفسيرات السوسيولوجية والعوامل الاقتصادية والاجتماعية، وبين دور القوى الإمبريالية في خلقها وتوظيفها، وبين تعاظم ثروة البترودولار ودورها في تغذية هذه الظاهرة وصولا إلى اعتبارها ملازمة للإسلام في حدّ ذاته بما يجعل نقد الدين لا فقط مقدمة لنقد الجهادية بل أحيانا الشرط الكافي لفهم الراديكالية.

في تونس عشنا لزمن طويل على فكرة أننا محصّنون ضدّ هذا المرض الذي أصاب المجتمعات العربية و الإسلامية الأخرى بفضل جرعات التلقيح العلماني والحداثي الذي تكفلت به دولة الاستقلال إزاء المجتمع إلى أن رُفع غطاء الاستبداد لنكتشف  حقيقة الوهم ومدى استفادة الاستبداد من شعارات مقاومة الإرهاب. ولئن لا تخلو جميع هذه المقاربات من بعض وجاهة بل قد تبدو بديهية فإنّ سبلا أخرى قد فتحت في رصد هذه الظاهرة وفهم دوافعها الكامنة والخفية بداية من تشكّلها في ذهن الفرد ثمّ دور الجماعة في احتضانها وتنميتها والسير بها إلى الأقصى.

في هذا اللّقاء اخترنا تناول المسألة من إحدى هذه الزوايا للوقوف على هذه الظاهرة المرعبة التي تحوّلت إلى الاستثناء الآخر المخيف للتجربة التونسية الناجحة والمطمئنة في منطقة الربيع العربي. بهذه المناسبة، دعونا الأستاذة الجامعية ريم بن إسماعيل، أخصائية في علم النّفس ومستشارة لدى المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، في إضاءة عن هذا الموضوع من هذه الزاوية الخاصّة. كما دعونا لهذه الأمسية أستاذ الفلسفة والكاتب والروائي كمال الزّغباني لإثراء الجدل وتوسيع أفق المداخلات.

إنّ الذي نرجوه من هذا اللّقاء وما سبق من لقاءات وما هو آت هو أن نقف على مواطن الضّعف أو الخلل أو القصور لدى اليسار سواء في فكره ومقارباته أو في تواجده الميداني أو في قدرته على إنتاج سردية جاذبة للشباب التونسي والفئات المحرومة تحلّ محلّ السرديّ+ات الجهادية والشعبوية التي اكتسحت أكثر من غيرها هذه المناطق والذّهنيات.

Afficher plus
Bouton retour en haut de la page