بعد الموقعة” ليسري نصر الله بقلم الطاهر الشيخاوي”

الحدث بالنسبة للسينما العربية يتمثل قطعا في إدراج فلم يسري نصر الله في المسابقة الرسمية لمهرجان كان الدولي

عُرض الشريط يوم الإفتتاح على الساعة السابعة مساء بتوقيت فرنسا بقاعة “دوبوسي”، عرضٌ مخصص بالطبع للصحافة. كان الإقبال جيدا نظرا للمكانة التي يتمتع بها يسري نصر الله لدى متابعي الشأن السينمائي. إن اللافت للإنتباه في “بعد الموقعة” هو أولا الرغبة الجامحة التي تدفع العمل إلى الرواية كفضاء كان لا بد لنصر الله أن يمتحن فيها فرضيات فكرية وجمالية.

تدور أحداث الشريط في الفترة الفاصلة بين مارس وأكتوبر2011 بالقاهرة. وكان البعدُ السياسي محوريا خاصة أن الشخصيتين الرئيسيتين كانتا على طرفي نقيض في المواجهات التي عرفتها ساحة التحرير :فمن ناحية تبدو ريم (منة شلبي) فتاةً مناضلةً مندفعة ضد نظام مبارك ومن ناحية أخرى كان محمود (باسم سمرة) بلطجيا متورطا في واقعة الجمل. أن يبنيَ يسرى نصر الله حكايتَه على التقاء الشخصيتين فيه أكثر من معنى وذلك لأهمية الحدث إعلاميا ولرمزيته. فالواضح ان المخرج أراد أن يفكك بنية الصراع. التناقض صارخ بين الفتاة الجميلة والشجاعة التي تجسّد الحقيقة الثورية ومحمود الرجل العنيف الجاهل الذي يمثل أداة طيّـعة في يد أعداء الثورة. هذا ما يُفهم في أول وهلة لكن المعالجة السينمائية تجعل المتفرجَ يكتشف شيئا فشيئا أبعادا أخرى لدى الشخصيتين تدفعهما بالضرورة إلى الإلتقاء. تسقط ريم في أحضان محمود بسرعة مدهشة في انعدام السببية الدرامية المعهودة فلا تُـفهم هذه اللحظة إلا بمرور الزمن وعلى ضوء مجرى الأحداث وما يدور بينهما من نقاشات. اللحظة الأولى لحظة تداخل لنصوص سينمائية تُـحيلنا على مخزون تاريخي تنطلق منه وتُـحرّكه، تنبع منه وتُـضفي عليه ديناميكيةَ المرحلة. ترجع بنا مقاربة يسري نصر الله إلى المقاربة التي توخّاها شاهين في “العصفور” لما فكك الروابط الخفية لحقيقة الهزيمة مع فارق هام وهو أن نصر الله أراد كشف مخاطر الرؤية السطحية للأحداث السائدة في الإعلام (من هنا جاء فحص الصور وإعادة قراءتها بالنسبة لريم) والتي لا تخدم في الواقع إلا مصالح معينة يمثلها عبد الله.

فمن الناحية السينمائية خضعت الحكاية الغرامية  لنواميس الفلم المصري العاطفي ذي البعد الإجتماعي وفي نفس الوقت جاء الشريط في شكل طبقات تحمل في خفاياها أفكارا في غاية من الأهمية، أفكار تسائل تعقيدَ الذات البشرية. فأين الخيط الفاصل بين الرغبة العاطفية التي تدفع المرأة نحو الرجل وبصفة أعم الإنسان نحو الإنسان والطموح الفكري إلى التحرر والإنعتاق؟ إن لجوء يسري نصر الله للّغة السينمائية وأسرارها ليست إلا طريقا لفهم هذه الإشكالية. لذلك تحتل الصورة (أعني الصورة داخل الصورة) مكانة جوهرية في الشريط كما سبق ان ذكرنا. تعيد ريم مشاهدة الصور المأخوذة عن واقعة الجمل للتّـأكد من أمرها. شأننا نحن المتفرجين كشأن أهل الحي الذي يقطنه محمود وكشأن صديقات ريم.  نتلقّى صورٍا مركّبة لا نفهمها إلا كما شاء أصحابُـها أن تُـفهم وعلينا تفكيكها بإيعاز من ريم لنتبين حقيقة الأمر.

“بعد الموقعة” فلم سوف يسيل الكثير من الحبر ويثير الجدل في مصر وفي غيرها من البلاد العربية حول معنى الأحداث التي نعيشها وحول ما يمكن للسينما أن تقوم به لإعانتنا عل فهمه.

 الطاهر الشيخاوي

الخميس 7 جوان 2012

أنظر مدونة الطاهر الشيخاوي هنا

Afficher plus
Bouton retour en haut de la page