تفاعل أوّلي مع وثيقة لجنة الحريات الفردية والمساواة
فتحي بن الحاج يحيى
18/06/2018
« يوم صادق المجلس التأسيسي على الدستور الجديد يوم 26 جانفي 2014 ونقلت لنا التلفزة تلك اللّحظة التاريخية التي جسّدت مزيجا من الفرح بنهاية الكابوس وتوجّس بقادم المعارك كان الجميع يعلم أنّ التّوافقات التي حملها الدّستور بين طياته بداية من ديباجته ستحدّد لاحقا أكثر من معركة حول مساحة الحريات الفردية، وعلاقة المقدّس بالدّنيوي، ودور الدّولة في التعامل مع الشأن الديني والشأن المدني، وأهمية المحكمة الدّستورية ودورها في البتّ مسائل وردت في الدّستور على طريقة « الرأي والرأي الآخر ».
وقد رأينا على مدى السنوات الأربع ونيف التي تلت صدور الدّستور خصومة الأضداد في إعلاء فصول من الدّستور على أخرى، والجدل الذي لم ينته بعدُ منذ دستور 1959 حول الفصل الأوّل وإذا ما كان الإسلام دين الدّولة أو دين تونس بمعنى الشعب التونسي.
اليوم نُشر مشروع جديد يطمح إلى أن يتحوّل إلى مجلّة للحقوق الفردية. لم تنتظر عديد الأطراف صدوره لترفع راية الحرب السوداء من يوم الإعلان عن تأسيس اللجنة المكلّفة بدراسته وصياغته وتقديمه إلى رئيس الجمهورية، ووقف آخرون موقف الانتظار أو الحيطة أو الحذر لأسباب في السياسة يعتقدون أنّهم وحدهم يفهمونها دون غيرهم في حين رحّبت عديد الجمعيات والمثقفين والفنانين والمواطنين بهذه الوثيقة التي أعتقد أنّها، في صورة المصادقة عليها، ستمثّل حدثا فارقا في تاريخ تونس المعاصر لا يقلّ أهمية عن قرار أحمد باي إلغاء الرقّ سنة 1846، ووثيقة الاستقلال ومجلّة الأحوال الشخصية 1956، ودستور 2014.
فيما يتمثّل (باختصار شديد) رهان هذه الوثيقة؟
- إنّها تكيّف قراءة دستور 2014 في اتّجاه حداثي معاصر وترفع بعض الفصول التي شابها لبس إلى مقام التوافق مع المواثيق الدولية والمفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان. بمعنى أنّها تسقط الذّرائع على كلّ من أراد أن ينحو نحو تأويل الدّستور على طريقة « ويل للمصلّين » فيقف عند الانتماء الحضاري الثقافي العربي الإسلامي لينسج منه قيودا على الحريات الفردية بدعوى الهوية الدينية.
- إنّها لا تحسم جدلية المقدّس/الدنيوي بترجيح طرف واحد من المعادلة على آخر بل تنتهج مقاربة مقاصدية في قراءة للدين من أجل إذابة التناقض بينهما (رغم ما قد يؤاخذ على هذا التمشّي لو كنّا في سجلّ فكري-فلسفي بحت لا تقف وراءه غايات ورهانات سياسية تقاس بالجدوى!).
- ودون إطالة (رغم ما تستحقّه هذه الوثيقة من نقاش طويل عريض) فإنّها ستزن بوزنها في باب فقه القضاء بمعنى أنّها قد تعفينا وتعفي المحكمة الدّستورية وسائر الدوائر القضائية من الدّخول في متاهات التأويلات والسقوط في أهواء القضاة بحسب توجهاتهم الفكرية-الدينية والمعتقدية وإصدارهم لأحكام متناقضة أحيانا وغريبة أحيانا أخرى كما سبق أن رأينا في ملفّات من قبيل زواج التونسية بغير المسلم أو حضانة الأمّ غير المسلمة لطفلها في حالة طلاقها من زوجها المسلم، وما شابه ذلك من ملفات تقف على مشارف الحقوق الفردية والمدنية والنّوازع الدينية المعتقدية التي تستفزّ أحيانا ضمير القاضي بدعوى استفزازها ضمير المجتمع متناسين أحد أهمّ بنود الدستور تمثّل في الإقرار بحرية الضّمير كسابقة في محيطنا العربي الإسلامي على الأقل.
والأكيد أنّ لنا في هذه الوثيقة منافع أخرى شتّى في انتظار أن تأتينا الأيّام بالأنباء ما لم نَضْربْ له وقتَ مَوْعدِ ».
النص الكامل لتقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة