سقوط دمشق أم سقوط الأسد؟
بين الشطر والآخر من السؤال/العنوان أكثر من مسافة فاصلة بين رؤيتين وموقفين ومقاربتين للمسألة السورية في تداعياتها لا فقط على سوريا بل على المنطقة بأسرها وحتى على موازين القوى في العالم أيضا.
- سقوط دمشق يحيل، دلاليا، إلى التأسّف على انهيار حلقة مفصلية في « جبهة الممانعة والمقاومة » للعدوّ الصهيوني والقوى الإمبريالية الواقفة وراءه والأنظمة العربية الدّاعمة.
من هذه الزّاوية يُنظر إلى الحدث السّوري كحلقة أخرى من حلقات الغدر بالقضية وتمدّد المشروع الصهيوني- الأميريالي بتواطؤ عربي وتبعات تتجاوز المنطقة ذاتها من حيث:
- التعتيم أو صرف الأنظار عن المجازر الإسرائيلية المقترفة في غزّة والقطاع، ومزيد إضعاف المقاومة الفلسطينية واللبنانية المسلحة وقدراتها على التفاوض بقطع الطريق على إمدادات السلاح والعتاد القادمة إليها من إيران عبر محور سوريا.
- المساس بالرمزيات التي تولّدت عن معركة غزّة وشهدائها وما أبداه المجاهدون من جرأة وصمود مجسّدين في مشهد السّنوار الذي تحوّل إلى أيقونة.
- فتح المجال أمام مرور أنابيب الغاز إلى تركيا عبر سوريا ومنها إلى أوروبا التي ستكسب هامش حرية نسبة إلى تبعيتها للغاز الروسي. (مكسب لتركيا المحسوبة على جهة أمريكا وخسارة لروسيا المحسوبة على طرف المقاومة).
- قطع طريق الحرير الصيني أو التحكم فيه على الأقلّ وكان مزمعا مروره عبر تدمر وحلب ودمشق.
- استفاقة الإسلام السياسي وروح المقاومة من جديد في جلّ البلدان العربية بعد مرحلة الأفول الذي مرّت به، إلخ
- بالمقابل يحيل سقوط الأسد إلى الفرح والترحاب بنهاية نظام استبدادي دموي بلغت به الوحشية إلى تجريد البشر من الذين اعتبرهم معارضيه وحتى الذين وُجدوا، لسوء الحظّ، على طريقه، من أدنى المقوّمات البشرية كما تشهد على ذلك صور النّاجين من دهاليز سجونه، وشهدت على ذلك، من قبل، البراميل المتفجّرة والأسلحة الكيمياوية المنزلة على رؤوس سكان المدن الخارجة عن سيطرته، وجرائم الشبيحة والبوليس والمخابرات وجميع أجهزة القمع التي شكلت عماد دولة بشار وأسلوب حكمه في البلاد.
وهو فرح بفتح مرحلة جديدة في تاريخ سوريا العريق رغم التحفّظات والمخاوف والاحترازات بالنظر لموازين القوى الحالية، وتشتّت المعارضة الديمقراطية وحضور السلاح لدى أهمّ الفصائل الإسلامية وتزعّمها من طرف شخصيات داعشية سابقة، وتدخل اللعبة الجيوستراتيجية في مصير البلاد ومستقبلها.
ولعلّ الخلفية الأعمق والأكثر تعقيدا لهذه المقاربة هو ما تثيره من مسألة العلاقة بين الحرية والديمقراطية كمعطى تأسيسي لبناء الذّات الفردية والجماعية ومدخل لكلّ تحرّر وطني حقيقي بناء على رفض مهادنة أنظمة استبدادية أو مساندتها ولو بدعوى « تصدّيها للعدوّ واصطفافها في جبهة الممانعة »، من جهة، وبين إعلاء مفاهيم السيادة الوطنية والانخراط في منطق مقاومة الاستعمار الجديد وأسبقيتهما على معركة الحريات والديمقراطية.
قضية قديمة-جديدة تطفح من جديد على السّطح ولكن بأكثر حدّة هذه المرّة بالنّظر لما يحدث في سوريا.
بين هذا وذاك تتراوح التحاليل والرؤى وفقا لموقع كلّ طرف وقناعاته السياسية والفكرية ومساره الفردي ولعبة المصالح المعقّدة في منطقتنا العربية.
على إنّه يظلّ يتردّد صدى كلمات ياسين الحاج صالح في إحدى آخر مقالاته قبل عودته إلى سوريا لتقفّي أثر زوجته التي اختطفها تنظيم داعش سنة 2013 ولم يوجد لها أثر إلى اليوم. كتب تحت عنوان « سوريا بلا أسد، نهاية عظيمة وبداية قلقة »: « لدينا نهاية عظيمة، هي بمثابة «أمر قطعي» واجب مطلق لا تداخله النسبية. هذه الصفحة الحقيرة من تاريخ سوريا كان يجب أن تطوى منذ أمد بعيد لأنها أبدٌ قاتل بلا نهاية، بلا أفق، بلا أمل. ولدينا اليوم بداية ولدينا أفق. (…) فالأمر ذاته يبقى صحيحاً أيًّا يكن شاغلو موقع السلطة العمومية، هذا غير أن لدينا في مسار ما بعد الثورة الطويل ما يبرر ونيف الخشية من أن يتصرف إسلاميو هذا العهد على هذه الصورة الضدية بالذات، فيعتبرون الدولة جائزتهم ومكافأة لهم وحدهم على إسقاط نظام بشار، ويقمعون من يعترضون على ذلك. هناك سلفاً أصوات تقول ما يقارب ذلك » القدس العربي، 18 ديسمبر 2025« .
وأخيرا، ماذا عن تونس إثر هذا الانقلاب الفجئي في الخارطة السياسية، وبعد أن اختار النّظام نهج مقايضة المعسكر الغربي بالتهديد من التّقرّب من مجموعة « البريكس » والانخراط في منطق « الجنوب الشامل » دون أن يتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام عدا إعادة ربط العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وإعلانات النوايا عن إنجاز الصين لبعض المشاريع، والتّصريح بتوطيد العلاقات مع سوريا، وإعلاء صوت المساندة المطلقة للمقاومة الفلسطينية والتصدّي للتطبيع قبل خفضه إلى أدنى درجات الديسيبال؟
لمناقشة كلّ هذه القضايا ومحاولة فهم تشابكاتها وتعقيداتها، دعونا كلّ من:
- سلام الكواكبي، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس؛ نذكر من آخر مؤلفاته:
- « النشاط السياسي في سورية : بين اللّاعنف والمقاومة المسلحة » بالاشتراك مع وائل السواح.
- « التظاهر : تحول النشاط السياسي العربي »
- صوفي بسيس، مؤرّخة وباحثة في المجال الجيوسياسي؛ لها عديد المؤلفات، من بينها:
- Je vous écris d’une autre rive – Lettre à Hannah Arendt
- Histoire de la Tunisie
- La double impasse : L’universel à l’épreuve des fondamentalismes religieux et marchand
- هالة اليوسفي، أستاذة محاضرة بجامعة باريس دوفين، باحثة في سوسيولوجيا الجمعيات وفي حركات المقاومة العربي؛ صاحبة كتاب
- L’UGTT, une passion tunisienne إلى جانب عديد البحوث الأخرى.
- طارق الكحلاوي، محلّل سياسي والمدير العام السابق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية؛ من مؤلفاته:
- أحمد بن صالح، سيرة زعيم اجتماعي ديمقراطي
- الجيوبوليتيك التونسي
- ماهر حنين؛ باحث في مجالي علم الاجتماع والفلسفة الاجتماعية. عضو جمعية « نشاز » و »المنتدى التونس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ». له أيضا عديد المؤلّفات، منها:
- مجتمع المقاومة، ما بعد الإسلاموية، ما بعد البورقيبيبة
- التمرد والمتاهة: شباب اليسار زمن الثورة والشعبوية
- على حافة الحاضر: كتابات في الديمقراطية التونسية المعطوبة
تمهيدا لهذا النّقاش، ندعوكم إلى الاطّلاع على الملفّ الذي أدرجناه على موقعنا https://nachaz.org/Syrie/
وفيه مختارات من نصوص قد تساهم في الإحاطة قدر المستطاع بموضوع اللّقاء الذي سينتظم يوم السبت 25 جانفي 2025 في حصتين، صباحية وبعد الظهر، بنزل البلفيدير، شارع الولايات المتحدة (قرب مقرّ اتحاد الصحفيين التونسيين) بداية من التاسعة صباحا.
البرنامج:
09:00-09:30 استقبال الضيوف والحضور
09:30-10:00 سلام الكواكبي: عودة السياسة إلى السوريين وتحدّيات إعادة البناء المجتمعي والسياسي.
10:00-10:30 هالة اليوسفي: إسرائيل والعرب: المسافة الصفر؟
10:30-11:00 ماهر حنين: الحدث السّوري من منظور التّحديات الديمقراطية في المنطقة.
11:00-11:20 استراحة قهوة
11:20-11:50 صوفي بسيس: الجغرافيا السياسية للمنطقة: محاولة لتوضيح بعض المفاهيم السارية في الخطاب السياسي العربي.
11:50-12:20 طارق الكحلاوي: جيوبوليتيك « ما بعد الطّوفان ». الاستتباعات الإقليمية والوطنية.
12:20- 13:30 نقاش مفتوح مع الحضور