يوميات ناقد : مهرجان كان الخامس والستّون بقلم الطاهر الشيخاوي
الإربعاء 16 ماي
مرسيليا . اخترت قطار السابعة والنصف صباحا رغبة مني في الوصول إلى مدينة كان قبل عرض شريط “مونرايمز كنغدم” للمخرج الأمريكي واس اندرسون. حادث أليم حال دون ذلك : مراهق في الرابعة عشر يرمي بنفسه أمام القطار وقيل أيضا أنه لم يقصد الإنتحار. توقف القطار أكثر من خمس ساعات بسبب الإجراءات القانونية فتعذر البدء من البداية كما كنت أتوقع. فكانت الإنطلاقة مع شريط يوسري نصر الله “بعد الموقعة”.
كان الفلم العربي الوحيد في المسابقة الرسمية، سعدت برؤيته لأهمية الأفكار التي يتضمنها. دار حديثٌ طويلٌ حوله بين النقاد العرب لم يكن دوما إيجابيا إلا أنني لا أشاطر هذا الرأي رغم النقائص – أو ما يبدو أنها كذلك – التي تخللت المعالجة السينمائية. ليس من السهل الإنتقال من واقع ثوري لم يكتمل إلى عمل فني يعتمد الرواية خاصة إذا كان المقصود من العمل اقتراحا فكريا. وهذا بالتحديد هو الهدف الذي رسمه نصر الله لنفسه : أن يتلمس من خلال السينما سبلا تمكن من “قرائة” ما يجري في مصر الآن. إيمان نصر الله بقدرة الفن السابع على كشف خفايا الواقع جعله يلتجئ إلى بنية روائية سينمائية مصرية أصيلة : فتاة من الطبقة البرجوازية الصغيرة ترتمي في احضان شاب من وسط شعبي، لقاءٌ لم يقدم الفلم تفسيرا له كأنما فرضته اعتباطا نواميسُ السينما، إعادةُ انتاج لتقليد سردي, الأمر أثار حيرة الكثير من النقاد ممن رؤوا فيه ضعفا في الإبداع. ولكني أعتقد أنها سبيلٌ تربط الفيلم بتاريخ السينما ليذهب به المخرج إلى مجال آخر – وهنا تأتي الإضافة – ويتجلى ذلك لما تكتشف الفتاة الواقع المعاش للرجل، وتتعرف على عائلته وزوجته ومحيطه. فيصبح البلطجي شخصية مركبة تمكن المناضلة المندفعة من ادراك اشياء غابت عليها وعلى الوسط المحيط بها. شريط فيه العديد من الأبعاد التي ستظهرها الأيام
الخميس 17 ماي
جاك أوديار مخرج فرنسى ذاع صيته بعد ما تحصل شريطه “نبي” على الجائزة الكبرى في مهرجان كان. يعود هذه السنة في المسابقة الرسمية ب”صدأ وعظم”. لا يخلو العمل من قيمة ولكنه لا يرتقى لمستوى “نبي”. مروضة حيتان (ماريون كوتيار) تتعرض لحادث يغير مجرى حياتها وحياة علي، فاقدة الرجلين وفاقد العاطفة يكتشفان أحدهما الآخر من خلال معايشتهما لما يحمله الجسد من روح. أمهية الموضوع تتمثل في اختبار المخرج لدلالات الجسد الوجودية. ولكنه لم يتوفق في نظري في بلورة رؤية متميزية لموضوع طالما عالجه السينما فسقط أحيانا في كليشهات أخلت بالعمل
استراحة مقهى بفضاء اورنج المخصص للصحافيين ثم عودة للسينا مع الساعة الحادية عشر بقاعة ديبوسي. أهم ثاني قاعة بقصر الكروازات تحتضن قسم “نظرة ما” وهي ثاني أهم الأقسام الرسمية بعد المسابقة. الشريط للمخرج الصيني لو يي وهو من أبرز ممثلي الجيل السادس للسينما الصينية. عرف بجرأته السياسية خاصة بعد فيلم تعرض فيه لأحداث ساحة تان ان من، كانت نتيجته حرمانًـه من التصوير مدة خمس سنوات أجبر أثناءها على مغادرة بلاده. يرجع الآن دون اعتذار بعمل لم يمتنع فيه عن نقده المعهود للمجتمع. كان الموضوع هذه المرة قضية الإبن الوحيد وما ينجر عنه من خيانات ومآسي. جاء كل ذلك في قالب الفلم البوليسي على الطريقة الأمريكية الأمر الذي أثر في أبعاد الشريط التي لم تخل من تحليل لواقع متغير. ربما كان هذا اللجوء طريقة أخرى يريد من ورائها المخرج التركيز على التحولات الإجتماعية التي يعيشها الصينيون لاعتمادهم نمطا اقتصاديا امريكيا رأسماليا أنتج هذا النوع من الأفلام.
الساعة الثانية مساء
لا مجال للغداء، كيف يجوز ضياع فرصة مشاهدة آخر أعمال المخرج الكزاكستاني داريجان أومرباياف. مخرج لا يعرفه الجمهور التونسي مع الأسف. اكتشفت اعما له التي شاهدها كلها بايطاليا وكان خصني وصديقي الناقد جيوزبي غارياتزو بحديث مطول نشرته بمجلة “فلم كريتكا” الإيطالية . شريطه “طالب” عرض بنفس القاعة (ديبوسي) وفي نفس القسم (نظرة ما).
لم يتخل أومرباياف ولو بقيد أنملة عن طريقته المعهودة في مقاربته السينمائية. لقطات ثابتة في غاية من الدقة والإقتصاد بعيدا كل البعد عن الطريقة التجارية والإثارة الدرامية. يتابع الراوي عن كثب طالبا يجد صعوبة كبيرة في الحصول على عمل فيرتكب ما لا يحمد عقباه.. كعادته يواكب المخرج تطور مجتمعه من خلال شخصيات يقترب منها اقتراب المخرج الوثائقي دون اسقاط أحكام أخلاقية ولا ايديولوجية تاركا للمتفرج كامل الحرية في القراءة والحكم.
ذلك هو مهرجان كان : متعة في اكتشاف مخرجين جدد ولقاء جديد بآخرين تعرفهم ولكن في الوقت نفسه حرمان لضيق الوقت من رؤية افلام أخرى. كنت أود مشاهدة شريط فتيح أكين الأخير كما تأسفت لعدم رؤية آخر عمل للسينمائي التايلندي ابيشابتونغ لكن فرض الأمر علي الساعة الرابعة والنصف مساء. سمعت الكثير عن أولريتش سايدي ذلك المخرج المستفز. تثير أفلامه الكثير من الجدل وتفرق النقاد ومحبي السينما إلى صنفين متقابلين. هناك من يعتبره مبدعا متميزا ومناك من لا يرى في أفلامه إلا استفزازا لمشاعر المتفرج غايته في ذلك الإثارة ليس إلا. بعد مشاهدتي ل”الجنة : الحب” وكان في المسابقة الرسمية لم أشعر أنني انتمي إلى هذا الفصيل ولا إلى ذلك. تدور أحداث الشريط بكينيا. عجوز ألمانية تقضي صيفها هناك باحثة عن مغامرة جنسية مع شباب كينيا الذين سمعت عنهم الكثير. يتابع الراوي الشخصية مفككا الخفايا الإجتماعية والنفسية لهذا النوع من السياحة. لم أجد شخصيا في الفلم ما يدل على قوة في الإبداع تثير الإنتباه.
الجمعة 18 ماي
كنت أعلم أن المهرجان يبدأ بتؤدة فتحليت بقدر كبير من الصبر. لم أكن أنتظر الكثير من ماتيو غاروني وإن كنت تركت للمفاجأة هامشا في نفسي. ولكن لم يفاجئني شريط “واقع” على ما يحمله من أبعاد نقدية على الطريقة الفكاهية الإيطالية. يذكرنا الشريط بأعمال مثل تلك التي أخرجها دينو ريزي واتوري سكولا ولكن لم يرق إلى مستواها خاصة وأن نقد سلطة التلفزيون جاء متأخرا نوعا ما.
المفاجأة السارة الثانية أمريكية. “دواب الجنوب الوحشي” فلم من اخراج بان زيتلين، شاب في بداية مسيرته اقترح عملا مفعما بالشاعرية و الحياة رغم ثقل موضوعه. يعالج مأساة المجموعات التي ما زالت تسكن في مناطق مهددة بالإندثار من جراء ذوبان الثلوج. الشخصية الرئيسية فتاة صغيرة السن تعيش لوحدها مع أبيها في جوار مستمر من الموت. لا تملك سوى خيالها فترى العالم كما تشاء متجاوزة كل المخاطر. شريط يمزج بين العمق التحليلي والشاعرية السينمائية ما يجعله في نظري على الأقل يحتل مكانة هامة في هذه الدورة.
لنمر مرور الكرام على ثالث عمل للمخرج الكندي الشاب غزافي دولان. “لاورنس في كل الأحوال”. لنذكر فقط أنه صاحب شريط “قتلت أمي” كان أخرجه ولم يتجاوز عمره الثامنة عشر. يواصل على نفس المنوال مستوحيا موضوعه من حياته وعلاقته مع محيطه العائلي متبعا نفس الأسلوب متحررا من كل القيود.
أما أسر مفاجأة فجاءت من المخرج الروماني كريستيان مونجيو وهو من أهم ممثلي الموجة الجديدة في بلاده وكان قد تحصل على السعفة الذهبية بمهرجان كان ب”أربع أشهر وثلاثة أسابيع ويومان”. يعود مونجيو بشريط عنوانه “وراء الربوات” وهو ثالث عمل له وبالرغم من قصر تجربته السينمائية يجب الإقرار بأنه أرتقى بهذا العمل إلى مستوى كبار المخرجين العالميين. يروي الفلم علاقة راهبة بصديقة جاءت لزيارتها ولكن قوانين الدير المتشددة حالت دون رغبة الصديقة في اعادة رواطب الحب بينهما. يبدو أن الأمر يقتصر على قرائة نقدية لمنطق التسلط الديني. لا شيء يمنع من التوقف عند هذا الحد ولكن الموضوع أعمق من ذلك بكثير. فطريقة المعالجة السينمائية تذهب إلى قضايا انسانية في غاية من التعقيد. بعيدا عن الخطاب السيكولوجي والسوسيولوجي السطحي يقف مونجيو على الأبعاد الإنسانية الكامنة في خفايا العلاقات البشرية وذلك بفضل مقاربة متروية تعتمد الصورة وتغلب زمن اللقطة على نسق التركيب فيحتل التأمل مكان الحكم المتسرع وتعلو جمالية الصورة على منطق النجاعة والإثارة
“وراء الربوات” نقطة تحول في هذه الدورة ؟ سوال قد تجيبنا عليه بقية البرمجة…
السبت 19 ماي
الثامنة والنصف. قاعة المسرح الكبير. المسابقة الرسمية
بدأت الأحوال الجوية تتردى ولكن ما شأني وسماء كان ؟ بطاقة الدخول التي أسندت لي تضمن لي الأولوية. عنوانُ شريط المسابقة “رجال بدون قانون” ومخرجُه استرالي ولكن الإنتاج امريكي. كان جون هيليكوت قد تحصل على الأسد الذهبي بمهرجان البندقية إلا أن الشريط لم يرقَ إلى مستوى الإنتظار. تدور أحداثه في بداية الثلاثينات زمن منع المشروبات الكحولية بالولايات الأمريكية وما عرفته من تجارة خفية وعنف وجريمة منظمة. الموضوع تناولته أفلام عديدة أفرزت سينمائيين كبار مثل هوارد هوكس وفرنسيس فورد كوبولا فكان التحدي صعبا. لم يتوفق هيليكوب من تجاوز المعهود بالرغم من قدرته الفائقة على حذق فن الإخراج.
الحادية عشر قاعة ديبوسي.قسم نظرة ما
الفلم العربي الثاني من اخراج نبيل عيوش. “يا خيل الله” عمل سياسي أو على الأقل هكذا يبدو : كيف يتحول شاب من وسط شعبي إلى إرهابي ؟ سؤال في غاية من الخطورة أجاب عنه علماء الإجتماع والسياسة ولكن لم يتعر ض له السينما إلا نادرا ومند فترة قريبة. لم نكن ننتظر من عيوش معالجة سينمائية متميزة، لا لعدم قدرته على حذق وسائل السينما ولكن بسبب انغلاقه في نمط يجاري الجمهور اذ افتقد الشريط التعمق في قراءته لقضية سياسية اجتماعية ثقافية متشعبة. فلا يكفي الإعتماد على المسببات الاجتماعية
الساعة الثانية عشر قاعة ديبوسي. نظرة ما
كيف يرقى الإبن إلى مستوى الأب ؟ أول سؤال يتبادر إلى الذهن بعد مشاهدة “انتيفيرال” لبراندن كرنبارق. عرض الشريط في قسم “نظرة ما” مع العلم أن الأب دافيد يشارك في المسابقة الرسمية. يحتد السؤال لما يكتشف المشاهد الموضوع والأسلوب
الساعة الرابعة والنصف. قاعة ديبوسي. المسابقة الرسمية
اقترن إسم توماس فيتربرغ بإسم لارس فان ترير وكلاهما من الدانمارك. جمعهما بيان “دوغما 95 » رسما فيه عددا من المبادئ تأسس لأسلوب في الإخراج يتناقض تماما مع الطرق المعهودة في السينما التجارية. مرّ زمن طويل منذ ذلك الوقت وتفككت المجموعة فلم يكن أحد ينتظر من “الصيد” أن يخترق حدود الإتقان في العمل. وكان فعلا كذلك بل أقرب إلى النمط الكلاسيكي والاكاديمي منه إلى التجديد في شكله ومضمونه. موضوع العلاقة الجنسية مع القاصرين وما يثيره من ممنوعات موضوع قديم سبق أن تطرق له العديد من السينمائيين قبل فيتربرغ. ولكن لا يجوز التشكيك المفرط في قيمة الشريط.
الساعة السادسة والنصف. مسرح ماريوت. قسم اسبوعان للمخرجين
كان يمكنني إنتظار يوم الأحد لمشاهدة “التايب »(هكذا سماه مرزاق علواش مستعملا كلمةً عاميةً متداولة لوصف من تخلى عن العمل المسلح من المتشددين الإسلاميين بعد قانون المصالحة الوطنية بالجزائر), لكن لم أنتظر يوم الأحد من شدة الفضول. كانت رغبتي شديدة في اكتشاف ثالث عمل عربي وثاني عمل مغاربي يشارك في الدورة الخامسة والستين لمهرجان كان، خاصة بعد خيبة “ياخيل الله”. لكن لم أجد في “التايب” ما كنت أنتظر، لم يتجاوز الفلمُ الخطابَ السياسي في مقاربته لمسألة المصالحة الوطنية. صحيح أنه يحمل نظرة نقدية للموقف الرسمي فقصّة رشيد ودقة الوضع الذي وجد فيه نفسَه تدلان عل أن الحل هشّ ومنقوص ولكن توقف الفلم أمام تشابك الجوانب النفسية والسوسيولوجية والثقافية للموضوع… ومع ذلك لا بد من الإقرار بما تميز به الفلم من حيث الإختيارات الشكلية. اذ تخلى علواش تماما عن اسلوبه المعهود في أفلامه السابقة واتبع طريقا أقرب إلى الوثائقي منها إلى الروائي تاركا جانبا المؤثرات التقنية والسردية مقتربا اقترابا شديدا إلى الشخصيات.
الأحد 20 ماي
الثامنة والنصف. قاعة المسرح الكبير لوميار. المسابقة الرسمية
ازداد الطقس تعكرا، يوم ممطر وبارد لم تشهد مدينة كان مثيله خلال الدورات السابقة
بدأت تدخل المسابقة الرسمية عوالم العمالقة. ميكائيل هانكو صديق حميم لمهرجان كان، اعتاد مواكبته وتحصّل فيه على عديد الجوائز آخرُها السعفة الذهبية في دورة2009. لست من هواة هانكو رغم اقراري بعضمته. تحفضي يتعلق بصلابة بل بتصلب منضومته الفكرية وما يتولد عنها من انغلاق في بنية عالمه. « حب” ذلك هو عنوان الشريط و”الموت” أصح. كعادته يقدم المخرج تحليلا كلينكيا لشخصياته ولكنه يركز هذه المرة على امرأة عجوز تنحدر تدريجيا نحو الموت تحت نظر زوج لا حول ولا قوة له. الشريط يتابع عن كثب وبدقة مدهشة ثقل الحمل الذي يحمله الزوج يوما بعد يوم. “حب” لحظة متميزية بدون شك في هذه الدورة. غوص في أعماق الإنسان يكشف حقيقة ما يحدث في نفوسنا والموت
يداهمنا. وانقلاب الحب حينها. والحقيقة لم تكن لتنكشف لولا ايمانوال ريفا وجان لوي ترانتينيان
الحادية عشر. قاعة ديبوسي. قسم نظرة ما
انتابني شعور بالفرح وأنا أتهيأ لمشاهدة شريط “الزورق” للمخرج السينغالي موسى توري. كان قد حدّثني عن فلمه هذا منذ سنوات ولم أتذكر أنه ورد في حديثنا شيئٌ له علاقة بمهرجان كان. شعوري بالفرح نابع من تقديري لما بذله موسى توري من جهد في سبيل السينما الوثائقية. أخرج فيلمين روائيين فقط ثم خصّص بقية طاقته للفلم الوثائقي. وها هو يأتي إلى كان بشريط روائي جديد. أن يوجدَ عملٌ من افريقيا السوداء في قسم من الأقسام الرسمية لمهرجان كان، فيُـعدّ ذلك حدثٌ بارزٌ بالنظر إلى غياب إنتاج القارة ف التظاهرات العالمية. لم يكن “الزورق” روعة من روائع الفن السابع ولكنه لم يخفق في نظري في تصوير ما يتعرض له شبابُنا من مآسي أثناء عبوره البحار. لم يُضف موسى توري ما كنت أخشاه من مؤثرات كثيرا ما يلجأ لها المخرجون كلما تعلق الأمر بقضية مأساوية. اقتناعه بالموضوع جنبه ذلك فجاء الشريط بسيطا نقيا
الواحدة بعد الزوال. قاعة بازان. المسابقة الرسمية
لست أدري لماذا عرض فلم “في بلد آخر” بقاعة بازان الصغيرة والحال أنه يندرج في المسابقة الرسمية. قد يرجع ذلك لكثرة الأفلام. تمكنت على كل حال من الدخول للقاعة بفضل البادج الوردي. يُعتبر هونغ صونغ صو من رواد المهرجان، كان حاضرا السنة الفارطة وسنة 2010 أيضا حيث تحصّل على جائزة أفضل شريط في قسم “نظرة ما” كان عنوانه “ها ها ها”. يؤكد هونق صانغ صو بفلمه الجديد فيمته كأحد أهم ممثلي سينما كوريا الجنوبية. تتقمص ايزابيل هوبير على التوالي ثلاث شخصيات دون أن يتغير اسمها، تحلّ بقرية ساحلية مسرورة بلقاء شخصيات محليّة. تعود الوضعيات مع شيئ من التغيير في كل مرة والسبب في ذلك أن الحكاية تكتبها فتاة طالبة في السينما. تكتب وتعيد الكتابة فترجع الشخصيات في مشاهد متشابهة ومختلفة في نفس الوقت. يبدو هونغ صان صو وكأنه يختبر هازئا مشاهد سينمائية تُـذكرنا بإيريك رومير. كوميديا ذكية تلعب بلقاء الثقافات وتقاطع الرغبات
الساعة الرابعة والنصف. قاعة ديبوسي.المسابقة الرسمية
لحظة اللقاء بكيارستامي لحظة فريدة. المطر تنزل بغزارة ولكن لا شيء يمكن أن يحول دون “كالعاشق”. صوّر كيارستامي شريطَه باليابان. الشيئ الذي ضاعف فضولي لأن المخرج الإيراني كان يرفض التصوير خارج بلده إلى أن أجبرته الأوضاع السياسية على الهجرة فأخرج “مطابق للأصل” في إيطاليا. والكلّ يتساءل كيف سيكون الأمر باليابان. أستاذٌ متقاعدٌ يلتقي بطالبة كما يلتقى الجدّ بحفيدته، ذلك على الأقل ما تصوره عشيقُ الفتاة إلى أن يكتشف حقيقة الأمر. تلخيص القصة كما فعلتُ الآن لا يعني ولن يعني شيئا في عالم كيارستامي لأن الصورة مصدرُ كل المدلولات فبفضلها تتضاعف الفرضيات السّردية وتتعمق المسألة
افتتح هانكي يومَ الأحد واختتمَه كيارستامي. لست أدري إن كان تييري فريمو فعل ذلك متعمدا أم لا إلا أنني رأيت في الأمر نوعا من المزاح لا يخلو من الطرافة
الإثنين 21 ماي
الثامنة والنصف. قاعة المسرح الكبير لوميار. المسابقة الرسمية
المطر لم تكفّ عن النزول والعمالقة تتوالى. قوي نسقُ المسابقة، لا شك أن لتياري فريمو ضلعٌ في الأمر. مؤامرة مُحكمة ضدّ الرداءة تحت المطر… كلما تقدم ألان ريني في السنّ زادت اعماله عنفوانا. ذكاءٌ مفرطٌ، حسٌّ مرهف، ولعٌ بالممثلين، إبحارٌ في عالم الأدب والفن، كلّ ذلك وأكثر من ذلك يغذي شرايين آخر أعماله “لم تشاهدوا شيئا بعد”. يموت المخرج المسرحي تاركا رسالة مصورة لعدد من الممثلين، يدعوهم لمشاهدة لقطات من مسرحية بصدد الإعداد سبق أن لعب كلّ واحد منهم فيها دورا. الشريط مبني على تفاعل المتفرجين المتقدمين في السنّ مع الممثلين الشبان. يتداخل المسرح والسينما، الماضي والحاضر، الحياة والموت, عمل ضخم
الحادية عشر. قاعة ديبوسي. قسم “نظرة ما”
جاءت عايدة بيجيك من البوصنة وهي لا تزال في بداية الطريق. أثناء تقديمها للجمهور قبل العرض أكدّ تياري فريمو على موضوعية اختيار الأفلام. يجيب المندوب العام بطريقة غير مباشرة على الحملة التي شنتها قبل بداية التظاهرة مجموعةٌ من النساء المخرجات ضد إدارة المهرجان متهمة إياها بالإنحياز لجنس الرجال. مع العلم أن عايدة بيجيك ترتدي الحجاب فضلا على أنها امرأة. فقد يمكن فهم ردة الفعل هذه على أن حياد المسؤولين لا يتعلق بالجنس فقط وانما بالإنتماء الجهوي والثقافي أيضا. اما العمل في ذاته فكان اكتشافا بالنسبة إلي، انبهرت بجدية الفلم وعمقه، تتوفق المخرجة في معالجة مسألة التحول الديمقراطي ببلادها من خلال قصة شابة تسكن مع اخيها المراهق وترعى شؤونه. أجبرت على ذلك بعد موت والديهما أثناء الحرب. ترافقها الكامرا عن كثب وهي تتصارع مع مجتمع ينخره الفساد والإجرام والتسلط السياسي
الخامسة مساء. قاعة ديبوسي. قسم نظرة ما
لا يخلو شريط المخرج المكسيكي “ديسبويس دي لوتشيا” من اهمية خاصة من حيث محتواه، إلا أنه يفتقد في اعتقادي إلى شيء من التعقيد. تتعرض تلميذة في الخامسة عشر من العمر إلى كل أنواع الإهانة المعنوية والمادية من طرف رفاقها ورفيقاتها على إثر نشر مشاهد نراها فيها وهي تمارس الجنس مع شاب من المعهد. وكان التقط الصورَ الشابُ نفسه الذي جامعها. تحولت حياتها إلى جحيم ابت ان تبوح بشيء لأبيها إلى أن اكتشف الأمر بنفسه فكان ما لا يحمد عقباه. تعمد المخرج مغالات لم تكن دوما في خدمة الموضوع
السابعة والنصف. قاعة ديبوسيز المسابقة الرسمية
هل يعقل اقصاء كان لوتش من المسابقة الرسمية ؟ يكفي تعداد الجوائز التي تحصل عليها لتبرير مشاركته. لقد أسّس لجنس سينمائي لوحده، لا يمكن لأحد ان يشاركه فيما يمكن أن نسميه بالكوميديا الإجتماعية الملتزمة. لبنة جديدة يضيفها السينمائي البريطاني في صرحه الشامخ. يرغب شاب ذات سوابق عدلية في الإنخراط في المجتمع بعد زواجه. شاء الحظ أن يكون مؤطرُه الإجتماعي مختصا في الوسكي. يمر إذا الشاب من الإنحراف إلى الإحتراف…في تذوق الوسكي. فتبدأ سلسلة من المغامرات الأخرى. قيمة كان لوش تأتي بالتأكيد من تعاطفه الصادق والعميق مع شخصياته المستضعفة. فبالرغم من الطابع الكلاسيكي للسرد وما ينتج عنه لدى المتفرج من توقع لمنحى الأحداث فلا يمكن بحال أن يشعر بالقلق. بل يأخذك كان لوتش بدون أن تشعر في عالم يعرف أسراره. حنكة ودقة ورشاقة واعتبار للفقراء المضلومين
الثلاثاء22 ماي
الثامنة والنصف. قاعة مسرح لوميير. المسابقة الرسمية
بعد مرور كبار الممثلين الفرنسيين خاصة يوم الإثنين جاء دور النجوم الامريكيين. اذ تشهد أروقة الكروازات غلايانا لافتا للإنتباه. الكل في انتظار براد بيت. « الموت بلطف” لم يتخطّ حدود الفلم الأمريكي المنمّط من حيث موضوعه وأسلوبه. رغم تأكيده على السياق السياسي (تتخلل الشريط مقاطع من خطاب أوباما) فلم يتمكن أندريو دومنيك من اختراق المعهود. لعب البوكير، غش، تصفية حسابات، مزايدة في العنف إلخ… لم يخل الفلم من الكليشيهات
ولكن براد بيت حاضر. فماذا عساه يفعل ضد الرداءة؟
الحادية عشر. قاعة ديبوسي. نظرة ما
لا مجال للإرتفاع قليلا فوق مستوى شريط الثامنة والنصف. وهل من مبرر حتى للحديث عن فلم “المساء الكبير” للثنائي بونوا دوليبين وغوستاف كرفرن؟ لم ترق المعالجة السينمائية إلى مستوى الموضوع. فلم سياسي بامتياز، يندد بمساوئ الرأسمالية ولكن أسلوبه اعتمد الركاكة كمبدأ أساسي…طغى الهزل فأصبح هدفا في ذاته
لساعة الثانية بعد الزوال. قاعة ديبوسي. نظرة ما
كنت شاهدت شريط “تلميذ حر” للمخرج البلجيكي جواكيم لافوس بعد الضجة التي أثارها. وبالرغم من احترازي على جوانب من العمل اكتشفت سينمائيا جديرا بالتقدير
لذلك كان لدي فضول كبير لمشاهدة “فقدان العقل”. كعادته اختار لافوس موضوع العلاقات العائلية وتعقيداتها. شاب مغربي يجد حماية وعطفا لدى طبيب بلجيكي أحاطه برعاية أبوية. يبدأ الشريط لمّا يتزوج الشاب بفتاة بلجيكية فيحتضن الطبيب الحنون العائلة الفتية. ويمرّ الزمن، تنجب المرأة فتاة أولى فثانية فثالثة فرابعة، تبدأ عندها المشاكل ثم تتفاقم شيئا فشيئا إلى أن يحدث ما لم يكن أحد يتوقعه. الأحداث كما ذكرتها توحي بدرامة اجتماعية إلاّ أن لافوس جانب المعالجة الكلاسيكية التي ترتكز على الإثارة وجانب السببية والحسم. فأحاط المُسبِّبات بغموض يترك للمتفرج مجالا واسعا لتشخيص المشاكل ولتفسيرها مقوضا بذلك كل الكليشيهات والأحكام المسبقة
السابعة والنصف مساء. قاعة ديبوسي. المسابقة الرسمية
لحضة أخرى انتظرها النقاد والصحافيون ومحبّو السينما بشغف كبير. ليوس كاراكس أيقونة في عالم السينما، مخرج متميز، مبدع لا يعرف الحدود. لم يعد إلى كان منذ 1999، يهابه المنتجون لشدّة تمكسكه بمتطلبات الإبداع الفني. أحدث عرض “هوليدي موتورز” وقعا لا مثيل له في نفوس جزء من الصحافيين أما الجزأ الآخر فرفضه رفضا قاطعا. فالعمل خارج على جميع الأنماط السائدة. السيد أوسكار يتنقل في لموزين ضخمة تقودها كاتبته الخاصّة، يقف من حين لآخر حسب مواعيد محدّدة هي محطات في مسار ابداعي يزور من خلالها السيد أوسكار لحظات كبرى في تاريخ الفن (مع العلم أن أوسكار هو الإسم الحقيقي لليوس كاراكس) هي مزيج من الماضي والحاضر، مجموعة اقتراحات سينمائية ترتكز على أنواع من الذكرى وترمي إلى مسائل معاصرة، لوحات فنية رائعة تستدعي بصورة غير مباشرة أعلاما أضاءت تاريخ السينما فكلما تحرك أوسكار يتخيل إليك أن الأشباح مازالت تنبض حياة، أشباح لويس ايتيين ماري وجورج ميلييس و لويس فوياد وجورج فرانجو وجان كوكتو وجان لوك غودار الخ …
الإربعاء 23 ماي. قاعة المسرح الكبير لوميار. المسابقة الرسمية
أخذ مني التعب كل مأخذ ولكن هل يجوز التخلّف عن موعد الثامنة والنصف. أراد أحد أصدقائي النقّاد أن يثنيني عن الحصّة الصّباحية كي أسترجع بعضا من قوايا متعلّلا بأفول نجم والتر صالص. بدأت شهرة المخرج الأرجنتيني مع “سنترال دو برازيل” (محطة الأرتال) سنة 1998 ولكن بعد اختياره العمل بأمريكا تراجع اهتمام محبّي السينما به. ولم يضف “دفاتر سفر” (وهو مبني على مذكرات شي غي فارا) شيئا يُذكر. أبيت اذا إلا أن اشاهد “على الطريق”. أحقَّ صديقي. فلمٌ رومنسي مفعمٌ بالمشاعر الطيبة، و…بكريستين ستيوارت
الساعة الحادية عشر. قاعة بونوييل. خارج المسابقة
برتولوتشي سينمائي من الطراز الرفيع وهو من آخر كبار المخرجين الذين قدّموا الكثير للسينما الإيطالية في الستينات. تحصل في السنة الفارطة على جائزة السعفة الذهبية الشرفية لمجمل أعماله. سيناريو “أنا وأنت” مستوحى من رواية للكاتب نيكولو امانيتي. يتناول فيه برتولوتشي موضوعَ المراهقة وهو موضوعه المفضل من خلال قصّة مؤثرة جدا لأخٍ وأختٍ يلتقيان خارق السياق العادي لـيُعيدا بناءَ علاقة جديدة على أساس وعيهما بالتهميش. الوعي بالتهميش كأساس لبناء الأخوة
السابعة والنصف. قاعة ديبوسي. المسابقة الرسمية
جرأة تشكيلية نادرة اتسم بها العمل الأخير لكارلوس ريغاداس “بعد الظلام النور”، جُـرأة مُدهشة عوّدنا عليها المخرج المكسيكي لكن ذهب به الأمر هذه المرة إلى أبعد مما كنا نتصور. فجاء السردُ منعدما تماما لأية خطية بحيث أصبح البحث عن تجانس في الحكي مستحيلا. العناصر المُكوِّنة لعالم المخرج لا تزال موجودة وعلاماتُ جماليته أيضا، لا يزال بحثُـه قائما في علاقة الإنسان المطافيزيقية بالطبيعة من خلال شخصيات مهزوزة كما تزال تتواتر الصّورُ المتاخِمة للاواقع لكن المخرج يبدو كانه تاه في غياهب بحثه. تيهٌ خيب ظن البع ض واثار اعجاب البعض الآخر
الخميس24 ماي
الثامنة والنصف صباحا.قاعة المسرح الكبير لوميير. المسابقة الرسمية
الفلم الأمريكي الرابع في المسابقة. قد يكون أقلّهم سوءا. ذاع صيت لي دانيلز لمّا أخرج شريط “بريشس” سنة 2009 يروي فيه قصّة فتاة مراهقة من السود الأمريكان المُضامين تتعرض إلى شتّى أنواع البؤس والعنف الجنسي والمادي من طرف والدها والمؤسسة التربوية والإجتماعية. تحصل به على جوائز عدّة. “موزع الصحف” مقتبس أيضا من رواية ولكنها تروي أحداثا ترجع إلى الستينات في مقاطعة فلوريدا اثر قُتِـل مفتش الشرطة فاتُّـهم شخصٌ باغتياله ولكن الشك راود الكثير فانطلق صحافي في البحث عن الحقيقة. على هذه الخلفية يحاول لي دانييلز قراءة الواقع الإجتماعي قراءة يحتل فيها السود مكانة رئيسية. كما تتصدر نيكول كيدمان المرتبة الأولى في توزيع الأدوار فكان العمل مزيجا من الفن والتجارة بعيدا عن التفاهة دون الإرتقاء إلى التميز
الحادية عشر. قاعة ديبوسي. نظرة ما
فلم هندي حدثٌ نادرٌ في الأقسام الرسمية على خلاف السوق حيث لا يحصى عددٌها. وجودها استثنائي هذه السنة حيث حضيت ثالثة أفلام ببرمجة مشرّفة بالتعادل في كل من الاقسام الكبرى للمهرجان. لم أتمكن من مشاهدة الفلمين المشاركين في “أسبوعان للمخرجين” و”أسبوع النقد” ويبدو أنهما جديران بالإهتمام ولكن لم أر فائدة من برمجة “الفتاة الجميلة” في قسم نظرة ما. صحيح أن هاشيم أهلوواليا صاحب الشريط عرف بمواقفه الرادكالية تجاه هوليبود وأعماله الملتزمة وصحيح أن موضوع الفلم فيه قراءة لا تقل واقعية للعنف المحيط بالسينما التجارية ولكن لم يرق في تقديري العمل إلى مستوى لافت ل”نظرة ما” على الأقل
الساعة الثانية. قاعة ديبوسي. نظرة ما
كما لا فائدة في الحديث مطولا عن “ثلاثة عوالم” للمخرجة كاثرين كورسيني. المفارقة في السينما الفرنسية أنها قادرة على انتاج الأسوء بدرجة تضاهي قدرتها على انتاج الأفضل. غريب هذا الشريط الذي غلبت عليه كتابة السيناريو إلى حدّ يبدو كأنه تمرين ميكانيكي لا وضيفة للصورة فيه
الساعة السابعة والنصف. قاعة ديبوسي. المسابقة الرسمية
كادت حصيلة اليوم تكون هزيلة جدّا بالمقارنة مع الأيام السابقة لولا هذا الشريط الأكراني “تحت الضباب”. صاحب الشريط سرغاي لوزنيتسا مخرج وثائقي تحصل على العديد من الجوائز العالمية وكان حاضرا في الدورة السابقة لمهرجان كان وهو في طريقه نحو المزيد من الشهرة. “تحت الضباب” مقتبس من رواية للكاتب البيوروسي فاسيلي بيكوف. تدور أحداثها أثناء الحرب العالمية الثانية في منطقة تقع في غرب الإتحاد السفياتي تحت سيطرة المانيا النازية. يُتهم أحدُ سكان المنطقة بتواطئه مع الجيش النازي. فتأتي مجموعة من المقاومين للإنتقام منه ولكن الأمور لا تمشي حسب إرادتهم فيجد نفسه مع ذلك مجبرا لإظهار براءتة. لا تكمن قيمةُ الفلم في أحداثه وإنما في الطريقة التي أختارها المخرج لمتابعة الشخصية معتمدا بالأساس على طول اللقطات وما يعنيه ذلك من لعب على الزمن
الجمعة 25 ماي
قاعة المسرح الكبير لوميار. المسابقة الرسمية
أشرف المهرجان على نهايته فلم يبق إلا يومان تفصلنا على الإعلان على النتائج النهائية وربما يكون الأمر قد حُسِم بعدُ على الأقل في معظمه. موعدنا اليوم مع آخرِ كبار العَمالقة في المسابقة الرسمية. سبق الإبن وها نحن في انتظار الأب. “كوسموبوليس” كتاب للروائي الأمريكي المشهور دون دي ليلو، تُرجم للعديد من اللغات وهو يندرج في تيار سُمي بتيار ما بعد الحداثة. شاب ميلياردي صاحب أعمال ذو نفوذ عالمي يشقّ طريقَه داخل مدينة نيويورك في سيارة من نوع الليموزين متّـجها نحو حلاقه. المدينة الأمريكية تعيش غليانا شعبيا عارما يبدو جليا من داخل السيارة الفخمة. الرأسمالية العالمية في آخر مراحلها، شباب يتظاهر باستمرار في كافة الأنهج مندّدا بالنظام العالمي. السّيارة تـسير ببطء شديد من جرّاء ذلك وبسبب المخاطر الحافة بمرور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتظر من آونة إلى أخرى. القصة نحيلة ولكن طريقة كرونمبارغ في اخراجها عظيمة. يصعب ابراز براعة العمل لأنه جاء نتيجة لمجموعة من الجزئيات وتظافر عدد من مكونات الإخراج بأسلوب يتعسر على غير كرونمبارغ اتباعه. مقاربة رشيقة بعيدة عن الخطاب الأيديولوجي العقيم ولكنها لاذعة بفعل روح الهزل التي تتسم بها الحوارات والوضعيات السريالية. عظيم كرونمبارغ
الحادية عشر . قاعة ديبوسي. نظرة ما
مدينة نيويورك ثانيةً ولكن هذه المرة من خلال شريط خفيف وهو أول عمل لمخرج شاب اسمه أدام ليو. فلمٌ من نوع الكوميديا تدور أحداثه في حي البرونكز الشهور. شابان من السود الأمريكان في سعي منهما إلى الشهرة يخططان للحصول على مبلغ مالي قدره 500 دولار فينطلقان في عدد من المغامرات التي يتمكن من خلالها المخرج من تحليل ظواهر إجتماعية عديدة لواقع الشباب السود. مخرج واعد يجب متابعته
الساعة السابعة والنصف. قاعة ديبوسي. المسابقة الرسمية
لم أتردد دقيقة واحدة في اختيار شريط السينمائي الكوري المشهور إيم صانغ صونغ على حساب فلم برنار انري ليفي حول ليبيا “قـَسم تبرق”. لا فائدة في تعليل الإختيار. من يعرف برنار انري ليفي لا يحتاج إلى ذلك. الرجل لا يكسب أي معرفة حقيقية بفن السنما فضلا على ما تتسم به أفكاره من أحكام مسبقة في غاية من السطحية ومن تحامل ايدلوجي على الثقافات الأخرى
ثم إن إيم صان صونغ جدير بالإهتمام وكان قد شهر بعدد من الأعمال الشجاعة والمجددة مثل “امرأة كورية”. لكن لم أجد ما كنت أتوقعه هذه المرة. لم يبتعد المخرج عن أسلوبة النقدي للمجتمع الكوري والتحولات التي يعيشها بسبب تجذر الرأسمالية فيه فكان الشريط غوصا في عالم المال وما يثيره من انحطاط وعنف إلا أن المقاربة لم تخل من السقوط في مُجارات المتفرج بسبب الإسراف في الجمالية كما لو تسربت عدوى المال إلى الخطاب ذاته
السبت 26 ماي
الثامنة والنصف. قاعة المسرح الكبير لوميير. المسابقة الرسمية
كان جاف نيكولز قد تحصّل السنة المنقضية على جائزة أفضل شريط فى قسم أسبوع النقد. فعاد هذه السنة في المسابقة الرسمية ب”مود”. بعد الخيبة التي أصابت من كان ينتظر شيئا من السينما الأمريكية تحولت كلّ الأنظار إلى آخر شريط في المسابقة الرسمية فلم تكن المفاجئة سيئة. وإن لم يرتق الشريط إلى مستوى يفوق شريطه السابق. ولكنه يحمل من الطرافة ما يجعله جديرا بالإهتمام فيُذكر بعالم مارك تواين ويندرج ضمن الأفلام التي تكتشف عالم الكبار من خلال مغامرات الأطفال ك”ليلة الصياد” لشارل لوتن أو “مهربي البضائع بمونفليت” لفريتز لانغ. عمل متقن يساير بلطف طفلين يدخلان بدون سابق علم في مغامرات مود المختبئ في جزيرة هروبا من الشرطة لجريمة قام بها سابقا
الساعة الخامسة مساء. قاعة مسرح الكروازيت. أسبوعان للمخرحين
لم تتسنّ لي مشاهدة عدد كبير من أفلام قسم “اسبوعان للمخرجين” مع ما يتمتع به هذا القسم من شهرة. أعلم أنه يعرض افلاما ممتعة ومهمة ولكن كان لا بد من الإختيار فاخترت كعادتي الأقسام الرسمية. وكلما وجدت ثغرة في البرنامج لم أتردد في استغلالها
وكان الأمر كذلك مساء السبت خاصة أن الحصة مخصصة كلها للأفلام التي حرزت على جوائز
كان الأول “لا” للمخرج الشيلي بابلو لاران. يروي الشريط أحداث الحملة الإنتخابية التي سبقت الإستفتاء الذي دعي إليه الشيليين للإبقاء على العقيد بينوشي في الحكم أو إزالته. تكمن قيمته في توثيقه لتلك الفترة وخاصة للأسلول الطريف الذي استعمله أنصار الرفض من استغلال ثقافة الدعاية التجارية ولكن لم يتعد الأمر ذلك الحدّ
أما الثاني فكان من أسرّ مفاجآت نومي لفوفسكي المخرجة الفرنسية. “كامي ترسُب” كوميديا في غاية من الذكاء والطرافة، مزيج من المتعة والتذوق السينمائي. الموضوع جدي أما الأسلوب فخفيف رقيف. كامي امرأة في الأربعين من العمر (تقوم نومي لفوفسكي نفسها بالدور) بصدد الإنفصال عن زوجها. لا تقبل الأمر بسهولة فتعيش أزمة حادة تؤدي بها إلى المستشفى ولكن من المستشفى يرمي بنا الراوي إلى عشرين سنة مضت دون اشعارنا بذلك فنجد كامي في ًٌٌٌٌالمعهد الذي زاولت فيه تعليمها وهي لم تبلغ بعد العشرين سنة. نقلةٌ في الزمن طريفة جدا تعيد أثناءها كامي حياتَـها وتلتقي بصديقاتها وحتى بمن أصبح زوجا لها فيعيش المتفرج تجربة ذكية في امتحان الزمن
هكذا ينتهي المهرجان بشريط أدخل في نفسي بهجة كبيرة أنستني الإرهاق وتفاهة بعض الأفلام
من مدوّنة
CineNotes