ندوة تحت عنوان: « الاستبداد الناشئ: تناقض الخطاب والممارسة، وأزمة القوى الديمقراطيّة »
مرّت الذكرى الثالثة عشر لثورة 17 ديسمبر – 14 جانفي في مناخ استبداد ناشئ، يمضي في تصفية مكتسبات الثورة باسم الانتصار لها. نظام يدّعي ديمقراطيّة حقيقيّة ويمارس استبدادًا، يصدح بشعارات الكرامة الوطنيّة والسيادة ليخفي تبعيّته الفعلية للسياسات الأوروبية، ويعِدُ بعدالة اجتماعيّة وهو عاجز عن توفير أبسط مقوّمات العيش. نظامٌ يقابل 17 بـ 14، أو الثورة بالانتقال الديمقراطي، ليُجهزَ على كليهما. عشرُ سنوات مرّت أيضا منذ المصادقة على دستور 27 جانفي 2014، بعد مخاضٍ عسير تخلّلته أحداث إرهابية واغتيالات سياسيّة بالتوازي مع انخراط وتعبئة استثنائيّة في الشارع، انتَهـتْ إلى توافق سياسيّ واسع. لم يكنْ دستورَ طرف سياسيّ بعينه، ولا دستورَ إملاءات خارجيّة كما يصرّ الخطاب المهيمن اليوم على تصويره، وإنّما « دستور الثورة »، بقِيَمها وأسئلتها وانقساماتها وهواجسها وتناقضاتها. حمل وعدًا ديمقراطيّا قويّا شوّهته ممارسةٌ سياسيّة بائسة، وحياة إعلامية مشهدية وسطحية تحكمت فيها قوى المال بشكل مؤثر. وكذلك خطابٌ داخليّ وخارجيّ مشيطِنٌ، وقصور نُخبويّ في تشخيص المشاكل، يختزلها في المنظار القانونيّ الضيّق، وقصورٌ لا يقلّ خطورة عن تسييس المسألة الاقتصاديّة ودمقرطتها. لم يصمد البنيان كثيرا، بل انهار كقصر من الورق، ومعه جلّ مكاسب الثورة في مجال الحريات الديمقراطيّة. يصادف التاريخ ذاته مرور سنتين ونصف تقريبا بعد الانقلاب على الدستور واحتكار كلّ السلط، تمهيدا لتأسيس نظام على أنقاضه يقوم على حُكم الفرد الذي لا تحدّه سُلطٌ مضادّة ولا يمكن مسائلته، باسم « ديمقراطيّة حقيقيّة وقاعديّة ».
بعد أن انكشف تدريجيا وجهه الجديد لدى قسم من النخب، وتبخّرت آمال جزء من مسانديه، ثمّ برز ضعف انخراط الشعب في مشروعه عبر المشاركة الضعيفة جدّا في الانتخابات التشريعيّة، مرّ النظام إلى مرحلة جديدة: الحُكم بالخوف. فحملت سنة 2023 معها منعرجا استبداديّا خطيرًا، وهو تجريم الفعل السياسيّ، بعد استكمال تفكيك كلّ السلط المضادّة وإخضاع القضاء إلى التعليمات عبر الإعفاءات والتهديدات العلنيّة. فأوقفت عشرات القيادات السياسيّة من مشارب مختلفة بتهم ثقيلة، أبرزها التآمر والإرهاب، تصل عقوباتها إلى الإعدام، بناء على ملفات فارغة ومسارات إجرائيّة أقرب إلى المهزلة، وذاك في ظل اللامبالاة بل وفي أحيان كثيرة تشفّي قطاعات واسعة من الناس.
مضت السلطة في هرسلة المحامين والصحفيين والنقابيين والنشطاء، وإيقاف عديد المواطنين من أجل تدوينة أو غرافيتي بتهمة « ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدولة » أو بناءً على مرسوم تكميم الأفواه (54). أصبحت الكلمة الحرّة والفعل السياسي والنضال باهضي الكلفة، وتحوّل الخوف إلى عنصر هامّ في المعادلة السياسيّة. ونجحت السلطة إلى حدّ كبير في غلق الفضاء العامّ واحتكار الخطاب السياسيّ وتجريد السياسة من جوهرها، ألا وهو الصراع. تصلّب النظام وانتقاله للسرعة القصوى في قمع معارضيه، كان أيضا نتيجة متوقّعة لعجزه عن إيجاد حلول للمشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة الحارقة للناس، على عكس وعود الرخاء والعدالة التي ما ينفكّ يطلقها. لم تتحوّل الشركات الأهلية إلى قاطرة تنمويّة محلّية، ولم يجنِ الصلح الجزائي شيئا يذكر مع انتهاء مدّته، مما عجّل بتنقيح مرسومه بالتوازي مع الشروع في ابتزاز أصحاب الأعمال. أمّا « الحرب على الاحتكار »، فلم تحلّ أزمة فقدان المواد الأساسيّة التي تعود قبل كلّ شيء إلى خيارات الدولة في « رفع المدعوم » بدل رفع الدعم، نتيجة ضغوط الماليّة العموميّة وميزان الدفوعات.
بُنيت ميزانيّة 2024 على فرضيات مجهولة، في الوقت ذاته الذي طبّقتْ فيه خيارات وفلسفة صندوق النقد الدولي عبر مواصلة سياسات التقشّف والضغط على كتلة الأجور وعلى مصاريف الدعم. واصل الرئيس في اجترار سرديّته المؤامراتيّة والبحث عن أكباش فداء جديدة يحمّلها مسؤولية الوضع الاقتصادي، وإطلاق الشعارات والوعود السيادويّة والاجتماعيّة التي تُخفي سياسات مناقضة تماما لها. تناقض الشعارات والسياسات ظهر بشكل واضح في السياسة الخارجيّة، وتحديدًا في مجال الهجرة. كشفت سنة 2023 التوجّه العنصريّ للنظام، مع تبني الرئيس لنظريات أقصى اليمين الأوروبي التي أجّجت وشرعنت النزعات العنصرية في المجتمع، وتنظيم حملات واسعة لطرد المهاجرين من جنوب الصحراء إلى الحدود الليبية أو الجزائريّة خارج أيّ إطار إجرائي بما أدى إلى وفاة العشرات منهم. واصل نظام سعيّد بذلك لعب دور شرطيّ الحدود الأوروبية، في ظلّ رضا علنيّ لحكومة الفاشيّة الجديدة في إيطاليا عنه، وقَبِل بالفتات بحثا عن اعتراف أوروبي بنظامه عبر إمضاء مذكرة التفاهم في صيف 2023. توازيا مع ذلك، يصدح سعيّد بمواقف وشعارات قويّة نصرة للحقّ الفلسطيني، تُخفي بالكاد افتقارها لمضمون سياسيّ واضح، والتخبّط الدبلوماسي في المنابر الإقليميّة والأممية، والامتناع عن خطوات عمليّة يمكن أن تساهم في محاسبة جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيليّة أو في مواجهة موجة التطبيع العربيّ. لكنّ قوّة نظام الاستبداد الناشئ لا يمكن اختزالها في « شعبويّته » أو استناده على الأجهزة الصلبة أو الدعم الخارجيّ الذي يحظى به. فهي تعود أيضا، في جزء كبير منها، إلى ضعف معارضيه وأخطائهم وعجزهم. سنتان ونصف مرّتا، ولم تخرج القوى الديمقراطيّة والمدنيّة بعدُ من حالة التيهان والبهتة والعجز. لم ينجح المجتمع المدني – بدءا بالمنظمة الشغيلة – ولا المعارضة في بناء قراءة موضوعية لدوافع تأييد قطاعات شعبية للرئيس وتواصل ثقتها فيه وقبولها بالوضع الحالي، وتحديد مسؤولياتهما الذاتية وتكوين تصور عملي للخروج من حالة الوهن. يكاد الفعل المعارض يُختزل اليوم في العمل الحقوقيّ والتضامن مع ضحايا القمع وردّ الفعل على الانتهاكات، من دون قدرة على تعبئة الشارع أو تغيير موازين القوى الشعبيّة. كما لم ينجح الخطاب المناهض للسلطة في فضح تناقض سياساتها الاقتصاديّة مع شعاراتها، ولا في تقديم بدائل واضحة، ولا حتى في ربط جسور قويّة مع الحركات الاجتماعيّة وإسنادها في وجه استراتيجيات القمع والتفكيك التي تستهدفها. فهل استخلصنا الدروس من التجربة الديمقراطيّة وعللها، أم أنّنا بصدد تكرار الأخطاء ذاتها؟ كيف يمكن صياغة خطاب ديمقراطي واضح ومسموع، لا يُقصي الخصم ولا يُلغي الصراع، ولا يعزل الديمقراطيّة عن مضمونها الاقتصادي والاجتماعي؟ ما السبيل إلى فضح زيف معادلة الخبز أو الحرّية، وإظهار الترابط والتمفصل بين الحريات السياسيّة والاستحقاقات الاجتماعيّة، وإلى كسْرِ وهمَ القائد المنقذ الذي سيحقّق العدالة والسيادة؟ لا شكّ أنّ هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها في مجرّد ندوة. ولكنّ طموحنا، هو أن نفتح آفاقا للنقاش والحوار والمراكمة، ونقاوم ما تمضي فيه السلطة تدريجيّا من غلق للفضاء العامّ، وأن نلقي حجرا في المياه الراكدة. ما نسعى له من خلال هذه الندوة، هو تشخيص نظام الحكم وسياساته وفضح نفاقه، وكذلك مسائلة أنفسنا أمام المرآة. فإذا كان التخلي عن ممارسة حرّياتنا إزاء سلطة الخوف أقصر طريق لفقدان ما تبقّى منها، فإنّ مجابهة هذا الاستبداد الناشئ ستبقى عقيمة، ما لم يصحبها جُهد فكريّ وتقييم نقديّ ونقاش صريح.
بُنيت ميزانيّة 2024 على فرضيات مجهولة، في الوقت ذاته الذي طبّقتْ فيه خيارات وفلسفة صندوق النقد الدولي عبر مواصلة سياسات التقشّف والضغط على كتلة الأجور وعلى مصاريف الدعم. واصل الرئيس في اجترار سرديّته المؤامراتيّة والبحث عن أكباش فداء جديدة يحمّلها مسؤولية الوضع الاقتصادي، وإطلاق الشعارات والوعود السيادويّة والاجتماعيّة التي تُخفي سياسات مناقضة تماما لها. تناقض الشعارات والسياسات ظهر بشكل واضح في السياسة الخارجيّة، وتحديدًا في مجال الهجرة. كشفت سنة 2023 التوجّه العنصريّ للنظام، مع تبني الرئيس لنظريات أقصى اليمين الأوروبي التي أجّجت وشرعنت النزعات العنصرية في المجتمع، وتنظيم حملات واسعة لطرد المهاجرين من جنوب الصحراء إلى الحدود الليبية أو الجزائريّة خارج أيّ إطار إجرائي بما أدى إلى وفاة العشرات منهم. واصل نظام سعيّد بذلك لعب دور شرطيّ الحدود الأوروبية، في ظلّ رضا علنيّ لحكومة الفاشيّة الجديدة في إيطاليا عنه، وقَبِل بالفتات بحثا عن اعتراف أوروبي بنظامه عبر إمضاء مذكرة التفاهم في صيف 2023. توازيا مع ذلك، يصدح سعيّد بمواقف وشعارات قويّة نصرة للحقّ الفلسطيني، تُخفي بالكاد افتقارها لمضمون سياسيّ واضح، والتخبّط الدبلوماسي في المنابر الإقليميّة والأممية، والامتناع عن خطوات عمليّة يمكن أن تساهم في محاسبة جرائم الإبادة الجماعية الإسرائيليّة أو في مواجهة موجة التطبيع العربيّ. لكنّ قوّة نظام الاستبداد الناشئ لا يمكن اختزالها في « شعبويّته » أو استناده على الأجهزة الصلبة أو الدعم الخارجيّ الذي يحظى به. فهي تعود أيضا، في جزء كبير منها، إلى ضعف معارضيه وأخطائهم وعجزهم. سنتان ونصف مرّتا، ولم تخرج القوى الديمقراطيّة والمدنيّة بعدُ من حالة التيهان والبهتة والعجز. لم ينجح المجتمع المدني – بدءا بالمنظمة الشغيلة – ولا المعارضة في بناء قراءة موضوعية لدوافع تأييد قطاعات شعبية للرئيس وتواصل ثقتها فيه وقبولها بالوضع الحالي، وتحديد مسؤولياتهما الذاتية وتكوين تصور عملي للخروج من حالة الوهن. يكاد الفعل المعارض يُختزل اليوم في العمل الحقوقيّ والتضامن مع ضحايا القمع وردّ الفعل على الانتهاكات، من دون قدرة على تعبئة الشارع أو تغيير موازين القوى الشعبيّة. كما لم ينجح الخطاب المناهض للسلطة في فضح تناقض سياساتها الاقتصاديّة مع شعاراتها، ولا في تقديم بدائل واضحة، ولا حتى في ربط جسور قويّة مع الحركات الاجتماعيّة وإسنادها في وجه استراتيجيات القمع والتفكيك التي تستهدفها. فهل استخلصنا الدروس من التجربة الديمقراطيّة وعللها، أم أنّنا بصدد تكرار الأخطاء ذاتها؟ كيف يمكن صياغة خطاب ديمقراطي واضح ومسموع، لا يُقصي الخصم ولا يُلغي الصراع، ولا يعزل الديمقراطيّة عن مضمونها الاقتصادي والاجتماعي؟ ما السبيل إلى فضح زيف معادلة الخبز أو الحرّية، وإظهار الترابط والتمفصل بين الحريات السياسيّة والاستحقاقات الاجتماعيّة، وإلى كسْرِ وهمَ القائد المنقذ الذي سيحقّق العدالة والسيادة؟ لا شكّ أنّ هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها في مجرّد ندوة. ولكنّ طموحنا، هو أن نفتح آفاقا للنقاش والحوار والمراكمة، ونقاوم ما تمضي فيه السلطة تدريجيّا من غلق للفضاء العامّ، وأن نلقي حجرا في المياه الراكدة. ما نسعى له من خلال هذه الندوة، هو تشخيص نظام الحكم وسياساته وفضح نفاقه، وكذلك مسائلة أنفسنا أمام المرآة. فإذا كان التخلي عن ممارسة حرّياتنا إزاء سلطة الخوف أقصر طريق لفقدان ما تبقّى منها، فإنّ مجابهة هذا الاستبداد الناشئ ستبقى عقيمة، ما لم يصحبها جُهد فكريّ وتقييم نقديّ ونقاش صريح.
برنامج الندوة :
09:00 / استقبال وتسجيل المشاركين
09:30 / الكلمة الافتتاحيّة: العياشي الهمامي
09:45 / المحور الأول: السياسة بين التجريم وردّ الاعتبار
كريم المرزوقي
ماهر حنين
إدارة: علا بن نجمة
10:35/ أسئلة الحضور والنقاش
09:00 / استقبال وتسجيل المشاركين
09:30 / الكلمة الافتتاحيّة: العياشي الهمامي
09:45 / المحور الأول: السياسة بين التجريم وردّ الاعتبار
كريم المرزوقي
ماهر حنين
إدارة: علا بن نجمة
10:35/ أسئلة الحضور والنقاش
11:15 / استراحة قهوة
11:30 / المحور الثاني: السيادة الخاوية
شيماء بوهلال
مهدي العش
إدارة: ملاك الأكحل
12:20/ أسئلة الحضور والنقاش
13:00/ استراحة غداء
14:00/ المحور الثالث: الفشل الاقتصادي والاجتماعي
وليد بسباس
حسام سعد
إدارة: أميمة مهدي
14:50/ أسئلة الحضور والنقاش
15:30/ اختتام الندوة
11:30 / المحور الثاني: السيادة الخاوية
شيماء بوهلال
مهدي العش
إدارة: ملاك الأكحل
12:20/ أسئلة الحضور والنقاش
13:00/ استراحة غداء
14:00/ المحور الثالث: الفشل الاقتصادي والاجتماعي
وليد بسباس
حسام سعد
إدارة: أميمة مهدي
14:50/ أسئلة الحضور والنقاش
15:30/ اختتام الندوة