لقاءات نشاز دورة 2017 : مقاومة الفساد، اليسار والحركات الإجتماعية الجديدة
ظلّ رفض الفساد نواة صلبة على مدى للمسار الثوري التونسي بالتوازي مع مطلب الحرية و الكرامة والعدالة الاجتماعية بل يمكن القول أنه حدد بينة الخطاب السياسي لكل الأحزاب والمنظمات وربما أثر إلي حد ما في اختيارا للناخبين في المحطات السابقة . لكن الملاحظ أنّه بقدر كثافة منسوب السرديات المقاومة للفساد ظلت السياسات الحكومية سلبية بل بلغ الأمر أحيانا النّظر إليهاكمتواطئة مع الفساد وغير جادة في محاربته.
فجأة، ومنذ 23 ماي الماضي شاهدنا منعطفا حادا في الموقف الرسمي بعد إعلان رئيس الحكومة إطلاق المعركة التي طال انتظارها وكدنا نيأس منها. حدث ذلك بعد سويعات من إيقاف رموز ضالعة في الفساد والتهريب والإثراء الغير مشروع.
نحن إذن أمام موقف سياسي غير مسبوق في انتظار كامل تجلياته.
الذي يهمنا هنا هو التطرّق إلى هذا الموضوع لفهم أبعاده وخلفياته والسياقات التي أدت إلى هذا المنعطف من خلال مساءلة وجهات نظر مختلف أطراف اليسار ؟
ما الذي حدث بين خطاب رئيس الجمهورية في 10 ماي ولغة الوعيد التي حملها وإصراره على تمرير قانون المصالحة وتبييض الفساد بمساندة الأغلبية البرلمانية والتوافق الحكومي وبين إطلاق حرب على الفساد بعد اثني عشر يوم من ذلك علما بأنّ التحضير لمثل هذه المعارك لا يمكن أن يكون وليد ساعات أو أيّام بل من المرجّح أنّه بدأ منذ أشهر.
ما هي الدّوافع لخوض مثل هذه الحرب : هل هي الوعي بأنّ الدّولة باتت في خطر أمام تغوّل لوبيات الفساد ؟ هل هي استجابة لالتزامات تجاه القوى والمؤسسات النّقدية الخارجية ؟ هل هي مستجدات الوضع الإقليمي وتغيرات المعطى الجيوستراتيجي بعد صعود ترامب إلى الحكم في أمريكا وماكرون في فرنسا وتغيّر خارطة التحالفات في الشرق الأوسط وتأثيراتها على ليبيا ؟
ثمّ ماذا يجري داخل الحكومة نفسها : هل أنّ التوافق سيمثّل دافعا لرئيس الحكومة للمضي قدما في هذه المعركة أم هو عنصر جذب إلى الوراء وتعطيل لهذه العملية ؟ ما هو دور « اليسار الحكومي » في هذه الاختيارات (سمير بالطيب، محمد الطرابلسي، إياد الدّهماني) هل ساهم في هذا التوجّه، أم تجاوزته الأحداث، ما مدى فاعلية حضوره داخل الحكومة ؟
أسئلة قد تجرّ أخرى عن مفهوم التوافق وجدواه السياسية في هذه المرحلة بالذّات مقابل مفهوم الصراع والمقاومة من أجل دفع عجلة التاريخ واستعادة الثقة وروح الأمل في التونسيين والخروج من وضعية اللاّحراك التي أوحت بها الحكومات المتعاقبة.
هنا يأتي تساؤل آخر عن دور المجتمع المدني والقوى السياسية والموقف من المعادلة الصعبة بين ضرورة توفير مناخ من الاستقرار الاجتماعي والأمني للبلاد ولا سيما المناطق الحدودية وبين دور التحرّكات الاجتماعية والشعبية في دفع الحكومة وأصحاب القرار إلى أخذ إجراءات جريئة من نوع شنّ الحرب على الفساد. فإلى أيّ مدى لم يكن الانتقال من المواقف المصرّح بها في 10 ماي إلى قرارات 23 ماي نتيجة الضغط الشعبي سواء في الجهات أو عن طريق حملات التحركات الشبابية الجديدة مثل اعتصام تطاوين جنوبا وحملة « مانيش مسامح » الشبابية وغيرها من التحركات التي بدأت تملأ الفراغ الذي تركته المعارضة التقليدية على الساحة النضالية ومن بينها اليسار التقليدي ؟
ما مدى أهمية هذه الظواهر الجديدة التي نشأت على هامش الفضاء السياسي التقليدي بيمينه ويساره ووسطه، والتي تنتظم في أشكال غير تقليدية وتتحرّك أفقيا وفق ملفات اجتماعية وسياسية معينة لتجمعأطرافا من مشارب أيديولوجية مختلفة وتكسر بذلك التموقعات الحزبية والانتمائية التقليدية ؟
وأخيرا ما مصير مشروع قانون المصالحة في ظلّ هذا المناخ الجديد ؟
مجمل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عنها وعن غيرها مع كلّ من السيدة ليلى الرياحي، الجامعية والناشطة في المجتمع المدني وفي حملة « مانيش مسامح » والسيد أحمد صواب بصفته قاض مختصّ في مجال القانون وأحد الأصوات التي لها وزنها في مجال المجتمع المدني والمعروف بحضوره في جميع المحطّات النضالية التي شهدتها البلاد منذ الثورة على الأقلّ.
يستهلّ هذا اللّقاء السيد ماهر حنين بصفته ممثلا عن جمعية نشاز التي نظمت هذه الأمسية بالاشتراك مع منظمة روزا لكسمبرغ، وينشّطه فتحي بن الحاج يحيى.