من آخر إصدارات نشاز لسنة 2019 : عندما تلتقي التجارة الموازية مع النوع الاجتماعي

لقد ودّعنا منذ أيام سنة 2019، لكن، للأسف، لم نودّع معها الأزمة. فالصعوبات الاقتصادية ما زالت قائمة ولعلّها تفاقمت على نحو غير مسبوق. ضمن هذا السياق المحمّل بجميع المخاطر بقدر ما هو محمّل ببعض الوعود، تسعى نشاز في اصداراتها للفهم، للتحليل.

من آخر إصدارات نشاز لسنة 2019 : عندما تلتقي التجارة الموازية مع النوع الاجتماعي

اخترنا لقرائنا مقتطف من المقدمة :


نشطت في السنوات القليلة الماضية التجارة البينية والموازية على طول الشريط الحدودي مع الجزائر. وبرزت في قبلي خاصة سوق أسبوعية هامة من حيث حجمها وكمية السلع المتداولة فيها والقادمة في أغلبها من الجزائر. ورغم القدم النسبي للتبادل التجاري العابر للحدود في هذه المنطقة بين السكان القاطنين في البلدين، إلا إنّ المتابعين لهذا النشاط يؤكدوا بأنّه قد أخذ منحا مختلفا في السنوات الأخيرة. فطبيعة السلع تغيرت كثيرا وكذلك حجم التعامل بالإضافة للارتفاع الملحوظ في عدد الناشطين في هذا المجال والذي أصبح يمثل العنصر النسائي فيه نسبة هامة.

 تمثل كل هذه التغيرات حافزا للاهتمام بهذه السوق من خلال هذه الدراسة التي تطمح لفهم الأسباب التي أدت إلى انتشار التجارة الموازية في منطقة نفزاوة عامة وقبلي تحديدا. كما سنحاول إبراز تصورات الفاعلين الأساسيين فيها وخاصة مواقف النساء منها باعتبارهن يمثلون عنصرا محوريا جديدا في هذه السوق.

فما الذي يدفع النساء للاشتغال في هذا النشاط الموازي ؟ وهل تمثل طبيعة السلع المتاجر بها مجالا « طبيعيا » لهنّ؟ ثم هل يمكّن هذا النشاط من تحسين وضعية المرأة من خلال توفيره مورد رزق لها؟

يهدف هذا العمل إلى تفكيك ظاهرة حديثة نسبيا اكتسحت المجال الاقتصادي المحلي بشكل سريع ومتطور. كما أنها احتلت مكانا هاما لدى كل المتدخلين من تجار ومستهلكين. ذلك أنّ هذه التجارة بالإضافة لما تمثله من فرص للعاطلين عن العمل من الجنسين للحصول على مورد رزق فهي ترتبط بتدهور المقدرة الشرائية للمستهلك ذلك أنّ نسبة كبيرة من السلع المروجة غذائية استهلاكية ومرتبطة بالحاجيات الأساسية كمشتقات الحليب أو المشروبات وعصائر الغلال التي تختلف أسعارها كثيرا بين البلدين.

كما ساهم ظهور وضع استهلاكي جديد في علاقة بانفجار وسائل التواصل البصري في وجود انفصام بين الواقع الاجتماعي والاقتصادي للجهة والمنتوجات الجديدة التي أصبحت تشهد إقبالا كبيرا عليها مكرستا لعقلية استهلاكية « فردية » تبحث عن الأقل سعرا ولا تعتني بتبعات سلوكها على الاقتصاد والصحة أو المصلحة العامة.

ويحمّل المهتمون بالوضع المحلي، من الناشطين في المجتمع المدني، الدولة مسؤولية تفاقم التجارة الموازية في الجهة ويعتبرون بأن اتساعها هو مؤشر لغياب الدولة وفشل سياساتها في الجهة. ويتجلى حسب رأيهم ذلك بشكل مباشر من خلال تقلص دور الدولة في تنظيم ومراقبة مسالك التجارة وعدم قدرتها على مواكبة المظاهر الجديدة للاقتصاد اللاشكلي. كما يتجل أيضا بشكل غير مباشر من خلال عجز السياسات العمومية على تحقيق توزيع معقول للثروة في منطقة تزخر بالموارد الطبيعية غير أنّ طريقة التصرف فيها وعدم إدماجها في دورة اقتصادية تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الجهة يعيق إمكانيات التنمية.

وبالنظر للأنشطة الاقتصادية القليلة المشغلة لليد العاملة يبدو واضحا ضعف الاستثمارات في المجالات الصناعية و/أو الواعدة في الجهة حيث تنحصر المشاريع في مجال انتاج وتعليب التمور أو تربية الماشية وهي مجالات شهدت دخول مستثمرين كبار من أصحاب رؤوس الأموال تملكوا مساحات كبرى على حساب الفلاحين الصغار وعلى حساب استغلال أمثل للمائدة المالية. ويقع تحويل نتائج هذه الاستثمارات لخارج المنطقة التي لا تستفيد من عوائدها مما يمنع المراكمة وإمكانية إعادة الاستثمار في صناعات تحويلية ذات علاقة بالمنتوج المحلي. وبالإضافة إلى ذلك لا تستحق هذه الاستثمارات يد عاملة كفئة وقارة بل تنحصر هذه الأنشطة في فترات موسمية من السنة لا يمكّن مدخولها من الحصول على حاجيات كافية لبقية السنة.

ويعتبر ممثلو المجتمع المدني بأنّ الآليات التي تعتمدها الدولة رسميا لتشجيع الشباب على الحصول على شغل أو للعمل المستقل غير مجدية وصورية لوجود صعوبات بيروقراطية ولامبالاة في طريقة تعامل بعض المسؤولين الجهويين مع المطالب المقدمة. كما أنّ وعود الدولة بتشغيل الشباب في شركة البيئة بقيت حبرا على ورق منذ سنوات رغم أهمية الموارد التي رصدت لها مبدئيا. ويشجع ذلك الشباب، في ظل ما يعتبرونه تخليا للدولة على مسؤوليتها في التشغيل، على اعتماد الحلول الظرفية من أجل الخروج من الأزمة وللحصول على هامش من الحركة من قبيل الحصول على قروض صغرى من الجمعيات التنموية أو سلفة من العائلة قصد تمويل أنشطة تجارية تمثل فيه الحدود فرصة لتحصيل هامش من الربح يتيح في أحسن الأحول إعادة إنتاج رأس المال مع ما يكفي للعيش.

وبقطع النظر على هذه الجوانب السلبية للتجارة الموازية، يمثل انتعاشها صورة مشوهة على تكامل مغاربي منشود تمثل فيه حاليا الفئات المهمشة الفاعل الأساسي. كما يحيلنا على مدى حجم الفرص الضائعة في تحقيق تكامل سليم يقوم على سياسة واعية واستراتيجية واضحة لتحقيق اندماج اقتصادي مفيد لكل الأطراف.

Afficher plus
Bouton retour en haut de la page