الحركات الإجتماعية… فئوية أم ثورية؟
صار تناول الحركات المطلبية والاحتجاجية بعد الثورة أمرا متاحا للجميع باحثين وإعلاميين ولمناضلي الحقل السياسي والمدني وهو تناول ينطلق من أحداث ووقائع ومفردات الفضاء الاحتجاجي والتي غدت مرصودة ومتداولة ومتاحة بفضل حرية التحري والتقصي والاعلام.
أهداف تناول هذا الفعل الاحتجاجي كتعبير عن المجتمع التحتي متنوعة فهي من جهة الوقوف عند الدلالات الاجتماعية والتاريخية لهذه الديناميكية التحتية التي تتيح للفاعلين اقتناص فرص لكسر الحصار المضروب عليهم والانخراط من أسفل في مسارات التأثير الاجتماعي وهي أيضا لفت نظر لضرورة التفكير في بدائل تنموية إدماجيه تأخذ بعين الاعتبار مطالب وتطلعات الفئات الهشة والطبقات الوسطى.
فمن الطبيعي أن يقترن فتح الفضاء العمومي بتحرّر الفعل الاحتجاجي المطلبي لعديد الفئات الاجتماعية الهشة والمستبعدة او لطرح قضايا غير مألوفة في المشهد الاجتماعي مقارنة بزمن الاستبداد، تحرير هذا الفعل الاحتجاجي نلمسه في التطور الكمي للإضرابات العمالية في مرحلة أولي ثم في ظهور أشكال آخري من التعبئة والاحتجاج كالاعتصام والتظاهر وغلق الطرقات وإضراب الجوع والمسيرات الجماعية على الأقدام نحو العاصمة وإصدار البيانات وتعبيرات فنون الشارع… لطرح سلسلة جديدة من المطالب الاجتماعية المتنوعة والغير متجانسة والمنتشرة على مجالات جغرافية مختلفة داخل المدن الكبرى و الصغرى و الأرياف.
من ذلك مثلا مطالب الحق في الشغل والشغل الائق، والحق في الصحة، وفي البئية والماء وفي الموارد الطبيعية والبنية التحتية، نضيف الي ذلك حركات أكثر هيكلة وتنظم كتجربة جمنة، وحملة مانيش مسامح، وإعتصام با تروفاك بقرقنة، الكامور بتطاوين، وتنسيقية عمال الحضائر، حملة فاش نستناو، وحملة تعلم تعوم.
… ما نقف عليه كإستخلاص مركزي من التنامي الكمي لحجم الغضب و الاحتجاج هو أننا لسنا أمام أحداث عابرة خالية من المعني ولا أمام مظاهر سلوك انحرافي لمحتجين يسعي البعض دوما لوصمهم سلبيا ، بقدر ما نحن أمام فعل دائم يسائل النظام الاجتماعي و قدرته الوظيفية على ضمان الانسجام، وما انفك ينجح في ابتكار أشكال تنظم وتنسيق أفقية مرنة وموضعية غير تقليدية وبتعبير أدق تعبر هذه الحركات بشكل متزايد عن توتر مخفي ومغيب بين مصالح متعارضة ومتباينة، وهي بهذا المعني دحض آخر لمقولة « التجانس الاجتماعي » العائمة التي توظف أيديولوجيا عند الحديث عن « النمط المجتمعي التونسي » فالحركات المستمرة أخرجت الى السّطح الفوراق الطبقية واختلافات المصالح والمطالب الغير متجانسة بين التونسيين.
من جهة أخري يطرح مثل هذا التنوع و التشتت الذي تبدو عليه الحركات الاحتجاجية صعوبتين الأولي عملية في الـتأليف بينها وبالتالي في توفير إطار موّحد قادر على تأطيرها بالكامل ومع ذلك نستخدم تيسرا للتواصل مقولة « حركة اجتماعية » حين نرصد سمات أساسية للفعل الاجتماعي كالتظلم من وضع غير عادل، و توفر أدني تنظيمي تعبوي يسعي لتحديد مطالب للرّد على هذا الوضع، وقيام جهد للأفراد و المجموعات لتحقيق التحشيد الازم للموارد، و بناء ترابطات نضالية في هذا السياق المطلبي والسياسي العام المفتوح الذي صار عليه المجتمع اليوم
الصعوبة الثانية هي محاولة ارجاع هذا الشتات المتنوع للحركات الاحتجاجية الى إطار نظري ومفهومي يهيكل عملية الفهم والتحليل لهذه الحركات الغنية على قاعدة اللّاتفاضل بين الحقوق – كلّ الحقوق – والحريات كلّ الحريات ولأفق فعله وأثره السياسي الراهن في تونس اليوم باتجاه بناء الجمهورية الثانية.