تباشير الظّمأ في جنان الواحات

لا أعتقد أنّ هناك أفضل من مقداد عبد الباقي، أمين مال الجمعية المائية العتيلات-جمنة، ليروي لنا حكاية الماء في واحات قبلّي أو بالأحرى حكاية زحف الموت البطيء على أجمل واحات الجنوب التونسي، ونضوب المياه في تلك المناطق، وتخلّي الدّولة عن هذا القطاع الحيوي العائد تاريخه إلى أزمنة بعيدة.

الجنوب التونسي وغيره من المناطق الدّاخلية يفرغان يوميا من أهاليهم وخاصّة الشباب منهم. والأحياء الحزامية للعاصمة وكبرى المدن الساحلية ما فتئت تتوسّع لتمتلئ بالعاطلين عن العمل، أو الباحثين عن الأرزاق بكلّ الطّرق؛ والبحر يبتلع أبنائنا بالعشرات والمئات؛ والسُّلط بكماء صمّاء أمام نداءات الاستغاثة لرجال ونساء أبوا إلاّ أن يتشبّثوا بديارهم، وأراضيهم، ونخيلهم تشبّث الشّجر بأديم كاد أن يتحوّل إلى أرض غير ذي زرع.

رجل حفرت الأيّام ومعركة البقاء تجاعيد وجهه، وأضفت التربة التي طالما رعاها وحضنها شيئا من لونها على ملامحه، نراه يحدّثنا بكثير من الهدوء والمنطق عن مأساة قطعة كبيرة وعزيزة من أرض الوطن، وهو يبحث في قرار نفسه عن وجه أمل ممكن، كمن يحفر في الأرض بحثا عن ينبوع ماء يغسل عن وجه الواحات غبار الجفاف وبصمات القحط.

لا بكائية ولا توسّل في طلباته وإنّما نوع من التعجّب والاستنكار من كلّ هذا الاستهتار بمقدّرات البلاد وحياة العباد، وجهد مضنٍ في اقتراح بعض حلول حتّى لا يسقط عرجون الدّقلة من يده… فإن سقط فلا عاصم بعدها من غضب العطاشى ومَنْ بِهم ظمأ !

Afficher plus
Bouton retour en haut de la page