ممرّات الزّمن عند سفوح الجبال

حكاية الطفل علي ربّما تختزل لوحدها حكاية سمامة وما فعلها بها عدنان الهلالي.

يقول علي « جاءنا المخرج لطفي عاشور من أجل كاستينغ واختارني لأمثّل دور ابن عمّ الرّاعي مبروك السّلطاني الذي قطع الإرهابيون رأسه وأرسلوه إلى عائلته. انتقلت مع الفريق إلى مكان التصوير، ويوم جاء دوري لتصوير المشهد، كنت أحمل رأسا اصطناعيا… أجري به عائدا إلى بيت العائلة والدّموع تنهمر على خدّي… أثنى الجميع على قدراتي في التمثيل رغم أنّها أوّل تجربة… والحقيقة أنّني كنت أبكي فعليا… وكأنّني أحمل رأسا حقيقيا ».

عند سؤالي له عمّا يريد أن يكون في المستقبل، قال بلهجة الواثق من نفسه: « ممثّل، طبعا ! ». قالها وكأنّ السؤال في غير محلّه لبديهية الجواب عنه. وأضاف « أريد الذّهاب إلى الخارج للتمثيل في أفلام أجنبية. أنا أحبّ التّمثيل وأعرف نفسي قادرا على ذلك ».

قبل أن ينصُب عدنان الهلالي موقعه الثقافي على تلك الهضبة المقابلة لجبال سمامة والسلوم وباقي سلسة الظهير التونسي، كان أطفال تلك المنطقة وشبابها يرعون الماشية بعد المدرسة ويتعاطون بعض ألعاب بسيطة وأحلاما يصعب تحديدها شأنهم في ذلك شأن سائر أطفال القرى النائية والبلاد المنسية.

ثمّ كان المركز، ليفتح ممرّا في الزّمن دخل منه القرن الواحد والعشرين إلى تلك الأصقاع والأذهان. جاءهم رسّامون، ومصوّرون فوتوغرافيون، ومسرحيون، ومسرحيون، وأدباء، وشعراء، من تونس ومن خارج تونس، من تشيكوسلوفاكيا، وإيطاليا، وفرنسا، وبلجيكيا، وكندا وغيرها.

صار الأولاد يتقنون رقصة الهيب هوب، ويدركون تفاصيلها وأسرارها، وتعلّمت النسوة فنون الألوان والصباغة لإضفاء أشعّة جديدة على منتوجاتهنّ الأصيلة من الحلفاء، ولم يعد التّعامل مع المصوّرة، والكاميرا، وأجهزة البثّ والكمبيوتر سرّا لا يعرفه سوى أبناء المدن، ودخلت لعبة كرة السلّة لتتحوّل إلى رياضة يخال للمرء أنّها نشأت هنا في نفس الوقت الذي بدأت تمارس فيه في ماساشوست بأمريكا، وبدأ الأهالي ينتبهون أكثر إلى ما تزخر به جبالهم من ثروات طبيعية من أعشاب وحشائش قال عنها الأخصائيون الذي جلبهم عدنان الهلالي أنّ فيها شفاء للنّاس ومنافع شتّى، وخرجت من أعماق التقاليد والمخزون التراثي أنغام وكلمات رفعت أكثر من مقام المنطقة بفضل مهرجان الرّعاة السنوي الذي أصبح علامة فارقة في المنطقة، وحمل صوته إلى خارج البلاد حيث أذهلت خالتي مباركة المشاهدين في بروكسيل برشاقتها رغم تجاوزها التسعين من العمر، ولتتحوّل مذ قبل وفاتها إلى أيقونة الجبل وفخره.

ودون مغالاة، قلّ أن شهدت منطقة تونسية ذلك التحوّل-الميتامرفوز بتلك السرعة والشمول مع تثمين أصالتها الثقافية والفنية. ولنا في قادم الأيّام عودة على هذه التجربة الفريدة بمزيد التفاصيل، والحكايات، والصّور، والوثائق السمعية البصرية، في تحية إجلال لمجموعة آمنت بنفسها، وشخص رفع التّحدّي فأشعّ على منطقته وبادله أهله المحبّة والاعتراف.

Afficher plus
Bouton retour en haut de la page