ورشة التحليل السينمائي والنقد، ملتقى بنزرت للسينما 2015. رؤية تحليلية لفيلم « بلا سينما » للمين عمار خوجة بقلم طلال أيوب
عرفت سنوات الثمانينات من القرن الماضي حركية كبيرة على مستوى فن السينما وذلك من حيث الكم في عدد قاعات السينما المفتوحة للعرض وعدد المتفرجين، ومن حيث الكيف في طريقة الطرح التي يفرزها المخرجون في أفلامهم أو في النقد والنقاشات التي كانت متوفرة بعد العروض.
اليوم كمحبين ومتابعين لهذا الفن في تونس نتحسر على تلك الفترة الذهبية ونتمنى عودة كل هذا الحراك السينمائي والثقافي اليوم. شملت تلك الحركية الجزائر كذلك لكنها اليوم تعاني من القاعات المغلقة ومن قلة المتابعين لهذا الفن.
» بْلا سينما » فيلم للمين عمار خوجة أراد طرح هذه الظاهرة التي عبر من خلالها على حالة مجتمع كامل وكأنه أخذ فن السينما كمنطلق ثم طوره لخدمة مواضيع أعمق تحوم كلها حول سؤال كبير وهو : لم هذا العزوف عن دخول قاعات السينما؟
انطلقت رحلتنا في هذا الفيلم من قاعة سينما ومن المخرج الذي يشاهد فيلم « تحيا ديدو » وحده في قاعة سينما « سييرا مايسترا » ثم تحول المشهد إلى شارع في وسط المدينة أمام قاعة السينما وفي ساحة يمر بها عديد المارة. وكأن المخرج أخرجنا من قاعة السينما ومن عالم الفيلم إلى عالم الواقع وكأن السينما مرآة للواقع وبدون واقع لا يوجد ما نطرحه على السينما.
لكن لماذا فيلم « تحيا ديدو » في البداية؟ هذا الفيلم هو من أهم الأفلام الجزائرية للمخرج محمد زينات أخرجه سنة 1971 ويعتبر من أهم مراجع السينما الجزائرية، ربما أراد من خلاله لمين عمار خوجة إرجاع مجد أو حنين السينما في السبعينات ليمر من خلالها إلى الشارع وإلى المواطنين اليوم.
بدأ المخرج رحلته في الشارع من ممر يخرجنا على الساحة الموجودة أمام القاعة وكان على كامل الفيلم متواجدا إما بصوته أو صورته أو حتى سماعته ليدلنا على تواجده مع هذا المجتمع مؤكدا على أن الفنان اليوم ينتمي إلى هذا المجتمع ومنه ينطلق وإليه ينتهي.
انطلق المخرج من حوارات للناس الموجودة في الساحة وكان قد شمل كل الفئات العمرية من صغار وشباب وكهول وشيوخ، وكانت تدخلاتهم تمتاز بتلقائية وأرياحية متميزة جعلتنا نتماهى مع المتدخلين. اختلفت المواضيع واختلفت المواقف واختلفت الأفكار : ففيهم من تحدث عن الواقع اليومي لقاعات السينما في الحياة، وفيهم من كان يتحسر على الفترة السابقة ويذكرنا بالسينما الجزائرية والعالمية في السبعينات والثمانينات، وفيهم من تحدث عن السينما الهوليوودية وفيهم من كان رافضا لوجود قاعة سينما ومع تحويلها إلى شيء آخر « مفيد » ثم تحول المخرج إلى الباعة الموجودين حول قاعة السينما لتتحول معه الحوارات إلى الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وإلى غلاء المعيشة وإلى نسبة الفقر المرتفعة في البلاد، فـالحالة السياسية ووضع البلاد السياسي والحرب الأهلية التي مرت بالبلاد والتي غيرت الجزائر والمواطن الجزائري.
لاحظنا التراوح بين حالة اليأس فالحلم فمحاولة إيجاد الحلول بين المتدخلين، فيهم من حاول إيجاد حلول طريفة كتقسيم البلاد إلى نصفين نصف للأغنياء ونصف للفقراء وفيهم من بقي يائسا واصفا للحالة الصعبة التي يمر بها الشعب الجزائري محاولا الهروب من واقعه بالخروج من البلاد والعيش في أوروبا، وفيهم من توجه بالاتهام إلى الدولة وإلى السياسيين في ما يحدث اليوم في الجزائر من عجز في اتخاذ القرار.
تراوحت تدخلات المواطنين ما بين الخجل أمام الكاميرا والطرافة في التدخلات واللهفة على التعبير لكنها كلها تشاركت في تلقائية المشاركين وفي تناقض الآراء وكأن هذا التناقض هو أهم ما ركز عليه لمين عمار خوجة فهذه التناقضات الأساسية هي ما جعلت المواطن الجزائري في حالة الشك والعجز تارة والتحسر على ما مضى حينا والحلم طورا. تخللت تدخلات المواطنين صور متعددة لساعة موجودة في الساحة تذكرنا بالساعات العمومية التي نشرها نظام بن علي في ساحات تونس لتدل على فرض الدولة وترسيخها للوقت الذي لايعني شيئا للمواطنين.
شد انتباهي تدخل طفلة حين سئلت حول الذي تتابعه فأجابت أنها تحب مشاهدة مسلسل « Inspecteur tahar » لساءل أن يسأل هل عوضت المسلسلات السينما ؟ ولم طفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة لازالت تشاهد إلى اليوم مسلسلا زاد بثه عن 30 سنة؟
تخلل التدخلات مشهدا صاحبته موسيقى « Per Gyint » لـ » Edvard Grieg » وهذا المشهد وضع فيه المخرج مجموعة من المارة تروح وتأتي مع تسارع في إيقاع الموسيقى ينتهي بمهندس المناجم الذي ينظر إلى المارة متأملا. كان هذا المشهد معبرا عن حالة المجتمع وحراكه وسرعة حركته ليتنهي بمهندس المناجم الذي يخالف الجميع فالكل متحرك إلا هو ثابت يتأمل فيهم وينظر إليهم وكأنه يراجع ماضيه، هذا المقاوم الذي أعطى للجزائر طول حياته ولم يجن شيئا إلا أنه يقطن الشارع تجاه هذه الحركة الاجتماعية الاستهلاكية التي تتحرك في تسارع رهيب.
أنهى لمين عمار خوجة التدخلات مع فتاة كانت الوحيدة الحالمة المبتسمة في الفيلم رغم صعوبة حالتها الاجتماعية. ما شد انتباهي عندما سئلت مالذي تطمح إليه أجابته: حلمي هو أن أتزوج وأؤسس عائلة لكن ليس لدي منزل ليأتي إليه من يطلب الزواج مني؟ ببساطتها وبابتسامتها وبنظاراتها المليئة بالتلقائية والحب عبرت هذه الفتاة عن المراوحة بين الحلم البسيط واليأس والعجز عن صنع هذا الحلم .
فيما بعد ولأول مرة أدخلنا المخرج إلى قاعة السينما لكن ليس في حالته الطبيعية – أي كقاعة عرض لشريط سينمائي- بل كمحتضن لحفل روضة لآخر السنة ولاحظنا تدافع المشاهدين الذي ذكرنا بتهافت وسرعة المارة في مشهد سابق وكأن حفلة الروضة تنتمي لحركية استهلاكية في المجتمع. لاحظنا كيفية تعامل المروضة مع الأطفال في العرض المقدم الذي ذكرنا بالثقافة المسقطة، ثقافة « القمع » كما نقول عامة. يذكرنا المشهد بتدخل سابق للرجل الذي قال : أنا صوديتها البوتون. ويذكرنا أيضا بصورة الساعة. تتشارك هذه الثقافة المسقطة في النظام الذي تريد الدولة فرضه على المواطن وعلى المجتمع والتي تتحكم من خلاله في الذوق وطريقة العيش وحتى الثقافة التي تريد فرضها : فعوض تعليم الأطفال أن يكونوا مبدعين وخلاقين، يلقنوهم حتى يصبحوا قوالب استهلاكية تابعة لنظام الدولة جاهزة للدخول في المجتمع الذي جهزته الدولة وأعدته لهذه القوالب.
تراوح الفيلم بين اللغة الخشبية واللغة العفوية إذ لاحظنا أن المتدخلين عندما رأوا الكاميرا بدأوا بالتكلم بلغة خشبية كالذي قال : نحييو السينما ونبنيو » centre culturel » لكن عندما عرفوا أنها كاميرا لتصوير فيلم وليست للتلفزة تغيرت لغتهم وأصبحوا أكثر تلقائية وتحدثوا أكثر عن مشاكلهم الخاصة.
كان الفيلم ينضوي ضمن قاعدة الوحدة تؤدي إلى الغاية – l’unité ramène à la finalité و ذلك حتى بالتقنيات المعتمدة في التصوير إذ كانت اللقطات قريبة جدا- des gros plans et des plans rapprochés وكأنه أراد أن يجعلنا نعيش في ها المجتمع.
ما شدني أكثر هو المشاهد التي نرى فيها أطفالا يرتدون أو يحملون سماعة لمين عمار خوجة وكأنه يرى فيهم مخرجين مستقبليين مبدعين خلاقين مختلفين عمن تمارس عليهم الثقافة المسقطة في مشهد احتفال الروضة.
إنتهى الفيلم بلمين يشاهد نفس الفيلم كما في البداية، تنطفئ الأضواء ونرى عاملة التنظيف تغلق الباب، كأننا في فيلم داخل فيلم أي أن فيلم « بلا سينما » فيه فيلم آخر وهو « الجزائر ».
82 دق مر من خلالها الفيلم من السينما إلى المجتمع إلى الحركة الاقتصادية إلى السياسة ثم عاد إلى السينما وكأنه قال لنا أن الفن وخاصة السينما هي وسيلة للتعبير عما يحدث في المجتمع وهي مرآة للواقع وخاصة أن السينما الوثائقية تعطي فرصة للمواطن الذي يفقد اليوم الفضاء الذي يمكنه من التعبير وعن إبداء رأيه فقد قدم المخرج للمتدخلين فرصة لإبداء رأيهم لإيصاله لمشاهدي هذا الفيلم بطريقة فنية متميزة.
رؤية تحليلية لفيلم « بلا سينما » للمين عمار خوجة
طلال أيوب، متخرج من المعهد العالي للفنون الدرامية والركحية
عرفت سنوات الثمانينات من القرن الماضي حركية كبيرة على مستوى فن السينما وذلك من حيث الكم في عدد قاعات السينما المفتوحة للعرض وعدد المتفرجين، ومن حيث الكيف في طريقة الطرح التي يفرزها المخرجون في أفلامهم أو في النقد والنقاشات التي كانت متوفرة بعد العروض.
اليوم كمحبين ومتابعين لهذا الفن في تونس نتحسر على تلك الفترة الذهبية ونتمنى عودة كل هذا الحراك السينمائي والثقافي اليوم. شملت تلك الحركية الجزائر كذلك لكنها اليوم تعاني من القاعات المغلقة ومن قلة المتابعين لهذا الفن.
» بْلا سينما » فيلم للمين عمار خوجة أراد طرح هذه الظاهرة التي عبر من خلالها على حالة مجتمع كامل وكأنه أخذ فن السينما كمنطلق ثم طوره لخدمة مواضيع أعمق تحوم كلها حول سؤال كبير وهو : لم هذا العزوف عن دخول قاعات السينما؟
انطلقت رحلتنا في هذا الفيلم من قاعة سينما ومن المخرج الذي يشاهد فيلم « تحيا ديدو » وحده في قاعة سينما « سييرا مايسترا » ثم تحول المشهد إلى شارع في وسط المدينة أمام قاعة السينما وفي ساحة يمر بها عديد المارة. وكأن المخرج أخرجنا من قاعة السينما ومن عالم الفيلم إلى عالم الواقع وكأن السينما مرآة للواقع وبدون واقع لا يوجد ما نطرحه على السينما.
لكن لماذا فيلم « تحيا ديدو » في البداية؟ هذا الفيلم هو من أهم الأفلام الجزائرية للمخرج محمد زينات أخرجه سنة 1971 ويعتبر من أهم مراجع السينما الجزائرية، ربما أراد من خلاله لمين عمار خوجة إرجاع مجد أو حنين السينما في السبعينات ليمر من خلالها إلى الشارع وإلى المواطنين اليوم.
بدأ المخرج رحلته في الشارع من ممر يخرجنا على الساحة الموجودة أمام القاعة وكان على كامل الفيلم متواجدا إما بصوته أو صورته أو حتى سماعته ليدلنا على تواجده مع هذا المجتمع مؤكدا على أن الفنان اليوم ينتمي إلى هذا المجتمع ومنه ينطلق وإليه ينتهي.
انطلق المخرج من حوارات للناس الموجودة في الساحة وكان قد شمل كل الفئات العمرية من صغار وشباب وكهول وشيوخ، وكانت تدخلاتهم تمتاز بتلقائية وأرياحية متميزة جعلتنا نتماهى مع المتدخلين. اختلفت المواضيع واختلفت المواقف واختلفت الأفكار : ففيهم من تحدث عن الواقع اليومي لقاعات السينما في الحياة، وفيهم من كان يتحسر على الفترة السابقة ويذكرنا بالسينما الجزائرية والعالمية في السبعينات والثمانينات، وفيهم من تحدث عن السينما الهوليوودية وفيهم من كان رافضا لوجود قاعة سينما ومع تحويلها إلى شيء آخر « مفيد » ثم تحول المخرج إلى الباعة الموجودين حول قاعة السينما لتتحول معه الحوارات إلى الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وإلى غلاء المعيشة وإلى نسبة الفقر المرتفعة في البلاد، فـالحالة السياسية ووضع البلاد السياسي والحرب الأهلية التي مرت بالبلاد والتي غيرت الجزائر والمواطن الجزائري.
لاحظنا التراوح بين حالة اليأس فالحلم فمحاولة إيجاد الحلول بين المتدخلين، فيهم من حاول إيجاد حلول طريفة كتقسيم البلاد إلى نصفين نصف للأغنياء ونصف للفقراء وفيهم من بقي يائسا واصفا للحالة الصعبة التي يمر بها الشعب الجزائري محاولا الهروب من واقعه بالخروج من البلاد والعيش في أوروبا، وفيهم من توجه بالاتهام إلى الدولة وإلى السياسيين في ما يحدث اليوم في الجزائر من عجز في اتخاذ القرار.
تراوحت تدخلات المواطنين ما بين الخجل أمام الكاميرا والطرافة في التدخلات واللهفة على التعبير لكنها كلها تشاركت في تلقائية المشاركين وفي تناقض الآراء وكأن هذا التناقض هو أهم ما ركز عليه لمين عمار خوجة فهذه التناقضات الأساسية هي ما جعلت المواطن الجزائري في حالة الشك والعجز تارة والتحسر على ما مضى حينا والحلم طورا. تخللت تدخلات المواطنين صور متعددة لساعة موجودة في الساحة تذكرنا بالساعات العمومية التي نشرها نظام بن علي في ساحات تونس لتدل على فرض الدولة وترسيخها للوقت الذي لايعني شيئا للمواطنين.
شد انتباهي تدخل طفلة حين سئلت حول الذي تتابعه فأجابت أنها تحب مشاهدة مسلسل « Inspecteur tahar » لساءل أن يسأل هل عوضت المسلسلات السينما ؟ ولم طفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة لازالت تشاهد إلى اليوم مسلسلا زاد بثه عن 30 سنة؟
تخلل التدخلات مشهدا صاحبته موسيقى « Per Gyint » لـ » Edvard Grieg » وهذا المشهد وضع فيه المخرج مجموعة من المارة تروح وتأتي مع تسارع في إيقاع الموسيقى ينتهي بمهندس المناجم الذي ينظر إلى المارة متأملا. كان هذا المشهد معبرا عن حالة المجتمع وحراكه وسرعة حركته ليتنهي بمهندس المناجم الذي يخالف الجميع فالكل متحرك إلا هو ثابت يتأمل فيهم وينظر إليهم وكأنه يراجع ماضيه، هذا المقاوم الذي أعطى للجزائر طول حياته ولم يجن شيئا إلا أنه يقطن الشارع تجاه هذه الحركة الاجتماعية الاستهلاكية التي تتحرك في تسارع رهيب.
أنهى لمين عمار خوجة التدخلات مع فتاة كانت الوحيدة الحالمة المبتسمة في الفيلم رغم صعوبة حالتها الاجتماعية. ما شد انتباهي عندما سئلت مالذي تطمح إليه أجابته: حلمي هو أن أتزوج وأؤسس عائلة لكن ليس لدي منزل ليأتي إليه من يطلب الزواج مني؟ ببساطتها وبابتسامتها وبنظاراتها المليئة بالتلقائية والحب عبرت هذه الفتاة عن المراوحة بين الحلم البسيط واليأس والعجز عن صنع هذا الحلم .
فيما بعد ولأول مرة أدخلنا المخرج إلى قاعة السينما لكن ليس في حالته الطبيعية – أي كقاعة عرض لشريط سينمائي- بل كمحتضن لحفل روضة لآخر السنة ولاحظنا تدافع المشاهدين الذي ذكرنا بتهافت وسرعة المارة في مشهد سابق وكأن حفلة الروضة تنتمي لحركية استهلاكية في المجتمع. لاحظنا كيفية تعامل المروضة مع الأطفال في العرض المقدم الذي ذكرنا بالثقافة المسقطة، ثقافة « القمع » كما نقول عامة. يذكرنا المشهد بتدخل سابق للرجل الذي قال : أنا صوديتها البوتون. ويذكرنا أيضا بصورة الساعة. تتشارك هذه الثقافة المسقطة في النظام الذي تريد الدولة فرضه على المواطن وعلى الرؤية تحليلية لفيلم « بلا سينما » للمين عمار خوجة
طلال أيوب، متخرج من المعهد العالي للفنون الدرامية والركحية
عرفت سنوات الثمانينات من القرن الماضي حركية كبيرة على مستوى فن السينما وذلك من حيث الكم في عدد قاعات السينما المفتوحة للعرض وعدد المتفرجين، ومن حيث الكيف في طريقة الطرح التي يفرزها المخرجون في أفلامهم أو في النقد والنقاشات التي كانت متوفرة بعد العروض.
اليوم كمحبين ومتابعين لهذا الفن في تونس نتحسر على تلك الفترة الذهبية ونتمنى عودة كل هذا الحراك السينمائي والثقافي اليوم. شملت تلك الحركية الجزائر كذلك لكنها اليوم تعاني من القاعات المغلقة ومن قلة المتابعين لهذا الفن.
» بْلا سينما » فيلم للمين عمار خوجة أراد طرح هذه الظاهرة التي عبر من خلالها على حالة مجتمع كامل وكأنه أخذ فن السينما كمنطلق ثم طوره لخدمة مواضيع أعمق تحوم كلها حول سؤال كبير وهو : لم هذا العزوف عن دخول قاعات السينما؟
انطلقت رحلتنا في هذا الفيلم من قاعة سينما ومن المخرج الذي يشاهد فيلم « تحيا ديدو » وحده في قاعة سينما « سييرا مايسترا » ثم تحول المشهد إلى شارع في وسط المدينة أمام قاعة السينما وفي ساحة يمر بها عديد المارة. وكأن المخرج أخرجنا من قاعة السينما ومن عالم الفيلم إلى عالم الواقع وكأن السينما مرآة للواقع وبدون واقع لا يوجد ما نطرحه على السينما.
لكن لماذا فيلم « تحيا ديدو » في البداية؟ هذا الفيلم هو من أهم الأفلام الجزائرية للمخرج محمد زينات أخرجه سنة 1971 ويعتبر من أهم مراجع السينما الجزائرية، ربما أراد من خلاله لمين عمار خوجة إرجاع مجد أو حنين السينما في السبعينات ليمر من خلالها إلى الشارع وإلى المواطنين اليوم.
بدأ المخرج رحلته في الشارع من ممر يخرجنا على الساحة الموجودة أمام القاعة وكان على كامل الفيلم متواجدا إما بصوته أو صورته أو حتى سماعته ليدلنا على تواجده مع هذا المجتمع مؤكدا على أن الفنان اليوم ينتمي إلى هذا المجتمع ومنه ينطلق وإليه ينتهي.
انطلق المخرج من حوارات للناس الموجودة في الساحة وكان قد شمل كل الفئات العمرية من صغار وشباب وكهول وشيوخ، وكانت تدخلاتهم تمتاز بتلقائية وأرياحية متميزة جعلتنا نتماهى مع المتدخلين. اختلفت المواضيع واختلفت المواقف واختلفت الأفكار : ففيهم من تحدث عن الواقع اليومي لقاعات السينما في الحياة، وفيهم من كان يتحسر على الفترة السابقة ويذكرنا بالسينما الجزائرية والعالمية في السبعينات والثمانينات، وفيهم من تحدث عن السينما الهوليوودية وفيهم من كان رافضا لوجود قاعة سينما ومع تحويلها إلى شيء آخر « مفيد » ثم تحول المخرج إلى الباعة الموجودين حول قاعة السينما لتتحول معه الحوارات إلى الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وإلى غلاء المعيشة وإلى نسبة الفقر المرتفعة في البلاد، فـالحالة السياسية ووضع البلاد السياسي والحرب الأهلية التي مرت بالبلاد والتي غيرت الجزائر والمواطن الجزائري.
لاحظنا التراوح بين حالة اليأس فالحلم فمحاولة إيجاد الحلول بين المتدخلين، فيهم من حاول إيجاد حلول طريفة كتقسيم البلاد إلى نصفين نصف للأغنياء ونصف للفقراء وفيهم من بقي يائسا واصفا للحالة الصعبة التي يمر بها الشعب الجزائري محاولا الهروب من واقعه بالخروج من البلاد والعيش في أوروبا، وفيهم من توجه بالاتهام إلى الدولة وإلى السياسيين في ما يحدث اليوم في الجزائر من عجز في اتخاذ القرار.
تراوحت تدخلات المواطنين ما بين الخجل أمام الكاميرا والطرافة في التدخلات واللهفة على التعبير لكنها كلها تشاركت في تلقائية المشاركين وفي تناقض الآراء وكأن هذا التناقض هو أهم ما ركز عليه لمين عمار خوجة فهذه التناقضات الأساسية هي ما جعلت المواطن الجزائري في حالة الشك والعجز تارة والتحسر على ما مضى حينا والحلم طورا. تخللت تدخلات المواطنين صور متعددة لساعة موجودة في الساحة تذكرنا بالساعات العمومية التي نشرها نظام بن علي في ساحات تونس لتدل على فرض الدولة وترسيخها للوقت الذي لايعني شيئا للمواطنين.
شد انتباهي تدخل طفلة حين سئلت حول الذي تتابعه فأجابت أنها تحب مشاهدة مسلسل « Inspecteur tahar » لساءل أن يسأل هل عوضت المسلسلات السينما ؟ ولم طفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة لازالت تشاهد إلى اليوم مسلسلا زاد بثه عن 30 سنة؟
تخلل التدخلات مشهدا صاحبته موسيقى « Per Gyint » لـ » Edvard Grieg » وهذا المشهد وضع فيه المخرج مجموعة من المارة تروح وتأتي مع تسارع في إيقاع الموسيقى ينتهي بمهندس المناجم الذي ينظر إلى المارة متأملا. كان هذا المشهد معبرا عن حالة المجتمع وحراكه وسرعة حركته ليتنهي بمهندس المناجم الذي يخالف الجميع فالكل متحرك إلا هو ثابت يتأمل فيهم وينظر إليهم وكأنه يراجع ماضيه، هذا المقاوم الذي أعطى للجزائر طول حياته ولم يجن شيئا إلا أنه يقطن الشارع تجاه هذه الحركة الاجتماعية الاستهلاكية التي تتحرك في تسارع رهيب.
أنهى لمين عمار خوجة التدخلات مع فتاة كانت الوحيدة الحالمة المبتسمة في الفيلم رغم صعوبة حالتها الاجتماعية. ما شد انتباهي عندما سئلت مالذي تطمح إليه أجابته: حلمي هو أن أتزوج وأؤسس عائلة لكن ليس لدي منزل ليأتي إليه من يطلب الزواج مني؟ ببساطتها وبابتسامتها وبنظاراتها المليئة بالتلقائية والحب عبرت هذه الفتاة عن المراوحة بين الحلم البسيط واليأس والعجز عن صنع هذا الحلم .
فيما بعد ولأول مرة أدخلنا المخرج إلى قاعة السينما لكن ليس في حالته الطبيعية – أي كقاعة عرض لشريط سينمائي- بل كمحتضن لحفل روضة لآخر السنة ولاحظنا تدافع المشاهدين الذي ذكرنا بتهافت وسرعة المارة في مشهد سابق وكأن حفلة الروضة تنتمي لحركية استهلاكية في المجتمع. لاحظنا كيفية تعامل المروضة مع الأطفال في العرض المقدم الذي ذكرنا بالثقافة المسقطة، ثقافة « القمع » كما نقول عامة. يذكرنا المشهد بتدخل سابق للرجل الذرؤية تحليلية لفيلم « بلا سينما » للمين عمار خوجة
طلال أيوب، متخرج من المعهد العالي للفنون الدرامية والركحية
عرفت سنوات الثمانينات من القرن الماضي حركية كبيرة على مستوى فن السينما وذلك من حيث الكم في عدد قاعات السينما المفتوحة للعرض وعدد المتفرجين، ومن حيث الكيف في طريقة الطرح التي يفرزها المخرجون في أفلامهم أو في النقد والنقاشات التي كانت متوفرة بعد العروض.
اليوم كمحبين ومتابعين لهذا الفن في تونس نتحسر على تلك الفترة الذهبية ونتمنى عودة كل هذا الحراك السينمائي والثقافي اليوم. شملت تلك الحركية الجزائر كذلك لكنها اليوم تعاني من القاعات المغلقة ومن قلة المتابعين لهذا الفن.
» بْلا سينما » فيلم للمين عمار خوجة أراد طرح هذه الظاهرة التي عبر من خلالها على حالة مجتمع كامل وكأنه أخذ فن السينما كمنطلق ثم طوره لخدمة مواضيع أعمق تحوم كلها حول سؤال كبير وهو : لم هذا العزوف عن دخول قاعات السينما؟
انطلقت رحلتنا في هذا الفيلم من قاعة سينما ومن المخرج الذي يشاهد فيلم « تحيا ديدو » وحده في قاعة سينما « سييرا مايسترا » ثم تحول المشهد إلى شارع في وسط المدينة أمام قاعة السينما وفي ساحة يمر بها عديد المارة. وكأن المخرج أخرجنا من قاعة السينما ومن عالم الفيلم إلى عالم الواقع وكأن السينما مرآة للواقع وبدون واقع لا يوجد ما نطرحه على السينما.
لكن لماذا فيلم « تحيا ديدو » في البداية؟ هذا الفيلم هو من أهم الأفلام الجزائرية للمخرج محمد زينات أخرجه سنة 1971 ويعتبر من أهم مراجع السينما الجزائرية، ربما أراد من خلاله لمين عمار خوجة إرجاع مجد أو حنين السينما في السبعينات ليمر من خلالها إلى الشارع وإلى المواطنين اليوم.
بدأ المخرج رحلته في الشارع من ممر يخرجنا على الساحة الموجودة أمام القاعة وكان على كامل الفيلم متواجدا إما بصوته أو صورته أو حتى سماعته ليدلنا على تواجده مع هذا المجتمع مؤكدا على أن الفنان اليوم ينتمي إلى هذا المجتمع ومنه ينطلق وإليه ينتهي.
انطلق المخرج من حوارات للناس الموجودة في الساحة وكان قد شمل كل الفئات العمرية من صغار وشباب وكهول وشيوخ، وكانت تدخلاتهم تمتاز بتلقائية وأرياحية متميزة جعلتنا نتماهى مع المتدخلين. اختلفت المواضيع واختلفت المواقف واختلفت الأفكار : ففيهم من تحدث عن الواقع اليومي لقاعات السينما في الحياة، وفيهم من كان يتحسر على الفترة السابقة ويذكرنا بالسينما الجزائرية والعالمية في السبعينات والثمانينات، وفيهم من تحدث عن السينما الهوليوودية وفيهم من كان رافضا لوجود قاعة سينما ومع تحويلها إلى شيء آخر « مفيد » ثم تحول المخرج إلى الباعة الموجودين حول قاعة السينما لتتحول معه الحوارات إلى الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد وإلى غلاء المعيشة وإلى نسبة الفقر المرتفعة في البلاد، فـالحالة السياسية ووضع البلاد السياسي والحرب الأهلية التي مرت بالبلاد والتي غيرت الجزائر والمواطن الجزائري.
لاحظنا التراوح بين حالة اليأس فالحلم فمحاولة إيجاد الحلول بين المتدخلين، فيهم من حاول إيجاد حلول طريفة كتقسيم البلاد إلى نصفين نصف للأغنياء ونصف للفقراء وفيهم من بقي يائسا واصفا للحالة الصعبة التي يمر بها الشعب الجزائري محاولا الهروب من واقعه بالخروج من البلاد والعيش في أوروبا، وفيهم من توجه بالاتهام إلى الدولة وإلى السياسيين في ما يحدث اليوم في الجزائر من عجز في اتخاذ القرار.
تراوحت تدخلات المواطنين ما بين الخجل أمام الكاميرا والطرافة في التدخلات واللهفة على التعبير لكنها كلها تشاركت في تلقائية المشاركين وفي تناقض الآراء وكأن هذا التناقض هو أهم ما ركز عليه لمين عمار خوجة فهذه التناقضات الأساسية هي ما جعلت المواطن الجزائري في حالة الشك والعجز تارة والتحسر على ما مضى حينا والحلم طورا. تخللت تدخلات المواطنين صور متعددة لساعة موجودة في الساحة تذكرنا بالساعات العمومية التي نشرها نظام بن علي في ساحات تونس لتدل على فرض الدولة وترسيخها للوقت الذي لايعني شيئا للمواطنين.
شد انتباهي تدخل طفلة حين سئلت حول الذي تتابعه فأجابت أنها تحب مشاهدة مسلسل « Inspecteur tahar » لساءل أن يسأل هل عوضت المسلسلات السينما ؟ ولم طفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة لازالت تشاهد إلى اليوم مسلسلا زاد بثه عن 30 سنة؟
تخلل التدخلات مشهدا صاحبته موسيقى « Per Gyint » لـ » Edvard Grieg » وهذا المشهد وضع فيه المخرج مجموعة من المارة تروح وتأتي مع تسارع في إيقاع الموسيقى ينتهي بمهندس المناجم الذي ينظر إلى المارة متأملا. كان هذا المشهد معبرا عن حالة المجتمع وحراكه وسرعة حركته ليتنهي بمهندس المناجم الذي يخالف الجميع فالكل متحرك إلا هو ثابت يتأمل فيهم وينظر إليهم وكأنه يراجع ماضيه، هذا المقاوم الذي أعطى للجزائر طول حياته ولم يجن شيئا إلا أنه يقطن الشارع تجاه هذه الحركة الاجتماعية الاستهلاكية التي تتحرك في تسارع رهيب.
أنهى لمين عمار خوجة التدخلات مع فتاة كانت الوحيدة الحالمة المبتسمة في الفيلم رغم صعوبة حالتها الاجتماعية. ما شد انتباهي عندما سئلت مالذي تطمح إليه أجابته: حلمي هو أن أتزوج وأؤسس عائلة لكن ليس لدي منزل ليأتي إليه من يطلب الزواج مني؟ ببساطتها وبابتسامتها وبنظاراتها المليئة بالتلقائية والحب عبرت هذه الفتاة عن المراوحة بين الحلم البسيط واليأس والعجز عن صنع هذا الحلم .
فيما بعد ولأول مرة أدخلنا المخرج إلى قاعة السينما لكن ليس في حالته الطبيعية – أي كقاعة عرض لشريط سينمائي- بل كمحتضن لحفل روضة لآخر السنة ولاحظنا تدافع المشاهدين الذي ذكرنا بتهافت وسرعة المارة في مشهد سابق وكأن حفلة الروضة تنتمي لحركية استهلاكية في المجتمع. لاحظنا كيفية تعامل المروضة مع الأطفال في العرض المقدم الذي ذكرنا بالثقافة المسقطة، ثقافة « القمع » كما نقول عامة. يذكرنا المشهد بتدخل سابق للرجل الذي قال : أنا صوديتها البوتون. ويذكرنا أيضا بصورة الساعة. تتشارك هذه الثقافة المسقطة في النظام الذي تريد الدولة فرضه على المواطن وعلى المجتمع والتي تتحكم من خلاله في الذوق وطريقة العيش وحتى الثقافة التي تريد فرضها : فعوض تعليم الأطفال أن يكونوا مبدعين وخلاقين، يلقنوهم حتى يصبحوا قوالب استهلاكية تابعة لنظام الدولة جاهزة للدخول في المجتمع الذي جهزته الدولة وأعدته لهذه القوالب.
تراوح الفيلم بين اللغة الخشبية واللغة العفوية إذ لاحظنا أن المتدخلين عندما رأوا الكاميرا بدأوا بالتكلم بلغة خشبية كالذي قال : نحييو السينما ونبنيو » centre culturel » لكن عندما عرفوا أنها كاميرا لتصوير فيلم وليست للتلفزة تغيرت لغتهم وأصبحوا أكثر تلقائية وتحدثوا أكثر عن مشاكلهم الخاصة.
كان الفيلم ينضوي ضمن قاعدة الوحدة تؤدي إلى الغاية – l’unité ramène à la finalité و ذلك حتى بالتقنيات المعتمدة في التصوير إذ كانت اللقطات قريبة جدا- des gros plans et des plans rapprochés وكأنه أراد أن يجعلنا نعيش في ها المجتمع.
ما شدني أكثر هو المشاهد التي نرى فيها أطفالا يرتدون أو يحملون سماعة لمين عمار خوجة وكأنه يرى فيهم مخرجين مستقبليين مبدعين خلاقين مختلفين عمن تمارس عليهم الثقافة المسقطة في مشهد احتفال الروضة.
إنتهى الفيلم بلمين يشاهد نفس الفيلم كما في البداية، تنطفئ الأضواء ونرى عاملة التنظيف تغلق الباب، كأننا في فيلم داخل فيلم أي أن فيلم « بلا سينما » فيه فيلم آخر وهو « الجزائر ».
82 دق مر من خلالها الفيلم من السينما إلى المجتمع إلى الحركة الاقتصادية إلى السياسة ثم عاد إلى السينما وكأنه قال لنا أن الفن وخاصة السينما هي وسيلة للتعبير عما يحدث في المجتمع وهي مرآة للواقع وخاصة أن السينما الوثائقية تعطي فرصة للمواطن الذي يفقد اليوم الفضاء الذي يمكنه من التعبير وعن إبداء رأيه فقد قدم المخرج للمتدخلين فرصة لإبداء رأيهم لإيصاله لمشاهدي هذا الفيلم بطريقة فنية متميزة.
ي قال : أنا صوديتها البوتون. ويذكرنا أيضا بصورة الساعة. تتشارك هذه الثقافة المسقطة في النظام الذي تريد الدولة فرضه على المواطن وعلى المجتمع والتي تتحكم من خلاله في الذوق وطريقة العيش وحتى الثقافة التي تريد فرضها : فعوض تعليم الأطفال أن يكونوا مبدعين وخلاقين، يلقنوهم حتى يصبحوا قوالب استهلاكية تابعة لنظام الدولة جاهزة للدخول في المجتمع الذي جهزته الدولة وأعدته لهذه القوالب.
تراوح الفيلم بين اللغة الخشبية واللغة العفوية إذ لاحظنا أن المتدخلين عندما رأوا الكاميرا بدأوا بالتكلم بلغة خشبية كالذي قال : نحييو السينما ونبنيو » centre culturel » لكن عندما عرفوا أنها كاميرا لتصوير فيلم وليست للتلفزة تغيرت لغتهم وأصبحوا أكثر تلقائية وتحدثوا أكثر عن مشاكلهم الخاصة.
كان الفيلم ينضوي ضمن قاعدة الوحدة تؤدي إلى الغاية – l’unité ramène à la finalité و ذلك حتى بالتقنيات المعتمدة في التصوير إذ كانت اللقطات قريبة جدا- des gros plans et des plans rapprochés وكأنه أراد أن يجعلنا نعيش في ها المجتمع.
ما شدني أكثر هو المشاهد التي نرى فيها أطفالا يرتدون أو يحملون سماعة لمين عمار خوجة وكأنه يرى فيهم مخرجين مستقبليين مبدعين خلاقين مختلفين عمن تمارس عليهم الثقافة المسقطة في مشهد احتفال الروضة.
إنتهى الفيلم بلمين يشاهد نفس الفيلم كما في البداية، تنطفئ الأضواء ونرى عاملة التنظيف تغلق الباب، كأننا في فيلم داخل فيلم أي أن فيلم « بلا سينما » فيه فيلم آخر وهو « الجزائر ».
82 دق مر من خلالها الفيلم من السينما إلى المجتمع إلى الحركة الاقتصادية إلى السياسة ثم عاد إلى السينما وكأنه قال لنا أن الفن وخاصة السينما هي وسيلة للتعبير عما يحدث في المجتمع وهي مرآة للواقع وخاصة أن السينما الوثائقية تعطي فرصة للمواطن الذي يفقد اليوم الفضاء الذي يمكنه من التعبير وعن إبداء رأيه فقد قدم المخرج للمتدخلين فرصة لإبداء رأيهم لإيصاله لمشاهدي هذا الفيلم بطريقة فنية متميزة.
مجتمع والتي تتحكم من خلاله في الذوق وطريقة العيش وحتى الثقافة التي تريد فرضها : فعوض تعليم الأطفال أن يكونوا مبدعين وخلاقين، يلقنوهم حتى يصبحوا قوالب استهلاكية تابعة لنظام الدولة جاهزة للدخول في المجتمع الذي جهزته الدولة وأعدته لهذه القوالب.
تراوح الفيلم بين اللغة الخشبية واللغة العفوية إذ لاحظنا أن المتدخلين عندما رأوا الكاميرا بدأوا بالتكلم بلغة خشبية كالذي قال : نحييو السينما ونبنيو » centre culturel » لكن عندما عرفوا أنها كاميرا لتصوير فيلم وليست للتلفزة تغيرت لغتهم وأصبحوا أكثر تلقائية وتحدثوا أكثر عن مشاكلهم الخاصة.
كان الفيلم ينضوي ضمن قاعدة الوحدة تؤدي إلى الغاية – l’unité ramène à la finalité و ذلك حتى بالتقنيات المعتمدة في التصوير إذ كانت اللقطات قريبة جدا- des gros plans et des plans rapprochés وكأنه أراد أن يجعلنا نعيش في ها المجتمع.
ما شدني أكثر هو المشاهد التي نرى فيها أطفالا يرتدون أو يحملون سماعة لمين عمار خوجة وكأنه يرى فيهم مخرجين مستقبليين مبدعين خلاقين مختلفين عمن تمارس عليهم الثقافة المسقطة في مشهد احتفال الروضة.
إنتهى الفيلم بلمين يشاهد نفس الفيلم كما في البداية، تنطفئ الأضواء ونرى عاملة التنظيف تغلق الباب، كأننا في فيلم داخل فيلم أي أن فيلم « بلا سينما » فيه فيلم آخر وهو « الجزائر ».
82 دق مر من خلالها الفيلم من السينما إلى المجتمع إلى الحركة الاقتصادية إلى السياسة ثم عاد إلى السينما وكأنه قال لنا أن الفن وخاصة السينما هي وسيلة للتعبير عما يحدث في المجتمع وهي مرآة للواقع وخاصة أن السينما الوثائقية تعطي فرصة للمواطن الذي يفقد اليوم الفضاء الذي يمكنه من التعبير وعن إبداء رأيه فقد قدم المخرج للمتدخلين فرصة لإبداء رأيهم لإيصاله لمشاهدي هذا الفيلم بطريقة فنية متميزة.