ورشة التحليل السينمائي والنقد، ملتقى بنزرت للسينما 2015. « بلا سينما » للمين عمار خوجة بقلم ياسمين الذوادي

 

 

يكفي انتماء شريط « بلا سينما » الجزائري أن يبعث فيّ فضولا واعجابا مسبقا وذلك لولعي بالأدب والأغنية والسنما الجزائرية. من المؤكّد أنه لا يمكن اختزال إعجابي بهذا الفيلم في محض فكرة مسبقة بل مع تواتر اللقطات وجدتني أنتزع شخصيتي لألبس شخصية جزائريين اختلفوا في الأعمار والأجناس، من شخصية امرأة محجبة إلى طفلة ومن عجوز إلى شاب ملتحي تراوحت حياتهم بين حلكة الخيبة ورغبة في العيش، ما جعلهم يسعون جاهدين إلى مصارعة الفقر والعيش المضني. يبدو أنّ سعيهم هذا لم يفقدهم حبّهم لوطن لم يعطهم الكثير.

 

« بلا سينما » شريط وثائقي مدّته 82 دقيقة نعيشها في ساحة صغيرة أمام قاعة سينما حديثة الترميم بحي شعبي يدعى ميسوني بالعاصمة الجزائرية نكتشف فيها علاقة الجزائريين بالسينما وآرائهم حولها : امرأة تفضّل الدراما التركية أو رجال لم يتابعوا في قاعة السينما غير تحرّكات محبّين اختارا الاختباء في الظلام في بلد تزعجه قبلة شابين أو أناس متمسّكين بالأصول العربية أو الإسلامية أو الجزائرية وآخرون متحسرون عن سينما ولّى عهدها… ومن هذه الاختلافات ينساق بنا الشريط إلى مشاكل اجتماعية يعيشها متساكنو هذا الحيّ من فقر ووضعية صغار بلا عنوان وشباب كادت تحطّمه الخيبة.

لئن كان الشريط مرآة عاكسة لوضع السينما بالجزائر فهو أيضا يعكس صورة المجتمع عامة، كتلك العجوز في ضياعها وهذيانها أو ذلك الرجل الذي لا يمكّنه راتبه من توفير العيش الكريم لعائلته حتّى تكون مسألة مشاهدة الأفلام في قاعة سينما من بين مشاغله.

 

وينتهي الفيلم داخل قاعة « سييرا مايسترا » ذاتها وقد غُيّرت وظيفتها لتصبح، أثناء حفل مدرسي، محلّ بروبغندا لا تزال تمارسها الدولة عبر مؤسساتها على الأجيال المتعاقبة من خلال خطاب محنّط. ولكن، سبق هذا المشهد مشهد لفتاة في الثامنة عشر نتدرّج معها من حلم إلى آخر أقلّ شأنا حتّى أنّها صارت، على حدّ تعبيرها، لا تحمل « خيال شباب » : من الرغبة في السفر إلى لندن وإيطاليا واكتشاف العالم إلى حلم بمجرد الاستقرار. من ثمّ نستفيق على وقع عقارب ساعة سئمت بطأها. هي فتاة انقطعت عن الدراسة، فاقدة للمأوى، نرى في عينيها عمقا ونسمع في كلامها وعيا لم نلاحظه في بقية الشخصيات. فتاة على اسوداد ثيابها أضاءت الشريط بصدقها وذكائها ورغبتها المتكرّرة في العيش كلّما زادت الحياة انقباضا. هي صورة لشعب يبحث عن حلول بلا سينما.

Afficher plus
Bouton retour en haut de la page