قراءات أولية في الانتخابات البلدية
في انتظار الدورة أوالدّورتين الانتخابيتين لاختيار رؤساء البلديات واكتمال الصّورة التي ستسمح بقراءة شاملة ومتأنية لنتائج هذا الموعد الانتخابي الرّابع في ظرف سبعة أعوام، والأوّل من نوعه كانتخابات محلية، سوف نحاول القيام بقراءة أولية في الإحصائيات والنتائج والدّلالات وعدد من الظّواهر التي رافقت هذا الموعد الذي انتظرناه طويلا.
ولعلّ أهمّ ما يلفت الانتباه هو التالي :
- النسبة الكبيرة لعدم المشاركة في الانتخابات وكيف تقرأ ؟
هل هي عدم اكتراث بالرّهانات المحلية والانتخابات عامّة، مردّها عدم التسيّس والعزوف عن الانخراط في الشّأن العامّ ؟
أم هي ردّة فعل تحمل وجهة نظر سياسية تجاه الشأن السياسي وطريقة تسييره الحالية والبحث عن بدائل جديدة للمشهد الساسي الحالي ؟
أمهي مجرّد صفّارة إنذار بعث بها المواطنون إلى الطبقة السياسية بل أنصار الأحزاب ذاتهم إلى أحزابهم بما لا يعني بالضرورة التخلّي عنها بل تحذيرها فحسب ؟
أم أنّ هذه النسبة تظلّ شبه معقولة بالنّظر لوضع الهيئة العليا للانتخابات والقصور الذي شاب أعمالها وتسيريها للحملة الانتخابية، ونظرا للوضع العامّ للبلاد وحالة الإحباط لدى جلّ المواطنين ؟
- ظاهرة القائمات المستقلّة وكيف تُقرأ ؟
هل يمكن ترتيبها الأولى في نسبة الأصوات والمقاعد ؟ هل يجوز وضع جميعها في سلّة واحدة ؟ ما هو الرّابط بينها ؟ وما هي المعايير الممكنة لتصنيفها ؟
هل صحيح أنّ عددا كبيرا منها ليس سوى وجه آخر أو تفريعة لأحد الحزبين « الكبيرين » (النهضة والنّداء) ممّا حدا بالنّاطقين الرسميين لهذين الحزبين إلحاق نتائجها بنتائج حزبيهما ؟
أليس الأهمّ في تناول هذه الظّاهرة انتهاج مقاربة نوعية (كيفية) عوضا عن التحليل الكمّي لها ؟
ألا تمثّل هذه القائمات، بقطع النّظر عن تنويعاتها، تعبيرا عن البحث عن مسالك سياسية جديدة وتوقا إلى بدائل مستحدثة نظرا لاهتراء الأحزاب الحاكمة والمعارضة على حدّ سواء.
هل بالإمكان الرّهان على هذه الظّاهرة لتجديد المشهد السياسي ومحاولة شيء جديد يمتدّ أفقيا لإعادة الأمل في مسار البناء الدّيمقراطي الذي أصبح مرهونا بأيدي القوى القديمة.
ألا يمكن قراءة عزوف الشباب أو مقاطعته للانتخابات كبحث عن سياسة جديدة أبعد ما تكون عن عدم التسيّس الذي غالبا ما يُتّهم به هذا الشباب ؟
- ظاهرة تراجع أحزاب الحكم
تبيّن الأرقام دون لبس تراجع أحزاب الحكم وخاصّة منها حزبي النّهضة والنّداء وكذلك أحزاب المعارضة الأخرى (باستثناء التيار الديمقراطي). لكن هل يجوز مقارنة الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالانتخابات البلدية من حيث نسب المشاركة، واتجاهات التّصويت، وديناميكية التحالفات…؟
هل فقدت هذه الأحزاب جزءا من مناصريها وناخبيها أم أنّ عزوفهم مجرّد غضب واستياء لا يعني بالضرورة توجّههم إلى خيارات أخرى بل يظلون في تعداد الخزّان الانتخابي والسياسي لهذه التّشكيلات ؟
هل بدأت حركة النهضة تدفع فاتورة تحديث خطابها وواجهتها السياسية أم هو توظيف على المدى المتوسّط والبعيد قد تجني عوائده على أمد باختراقها فضاءات كانت محسوبة على « الحداثيين ».
ما الذي يُفسّر تراجع الجبهة الشعبية وتواضع نتائجها رغم أنّ الأوضاع الاجتماعية تخدم لصالحها نظريا على الأقلّ ؟
هل أنّ التيار الديمقراطي هو المستفيد الأكبر من بين الأحزاب السياسية. وما هي مؤشّرات المستقبل ؟
وأيّا كان الأمر، فالواضح أنّ مجال الممكن ما زال مفتوحا أمام بلادنا وشعبنا، وأنّ عددا من المؤشّرات الإيجابية قد حملتها هذه الانتخابات.
- الحوار
من أجل مناقشة جميع هذه الفرضيات والخوض في هذه التساؤلات وغيرها دعونا إلى حوار مع الحاضرين كلّ من
خيّام التّركي بصفته أحد مؤسّسي جمعية « جسور » المهتمّة بالدّراسات الاستراتيجية والتفكير في السياسات العمومية وسبر آراء التونسيين في شتى المجالات السياسية والتربوية والاجتماعية…
مالك الصغيري، مؤرّخ ومناضل ضمن شبكة الجمعيات المدنية.
ماهر حنين، باحث في المجال الاجتماعي، عضو جمعية « نشاز » و »المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية « .